سأبدأ من المذنب، تلك المحافظة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها ستين ألفا، تبدو مبهرة، متمدنة وجميلة، وفيها نافورة راقصة، وشوارع واسعة ونظيفة، وفيها مركز الأمير سلطان الحضاري، الذي جاوزت كلفته ثلاثين مليون ريال. يؤكد أهالي المذنب أن محافظتهم الصغيرة، كانت قبل عشر سنوات أشبه ما تكون بالقرية التي تحيط بها المزارع، لكنه الإصرار والعزيمة والتنافسية المحمودة بين المحافظات، فأهالي المذنب يؤمنون تماما أنهم ليسوا أقل شأنا من أهالي بريدة أو عنيزة، لذلك يحرصون على التقدم دائما. ويبدو أن سر التنمية في هذه البقعة من الوطن، يكمن في أن «القصمان» لا يتركون الأمر للحظ. عنيزة مدينة غنية بأهلها وانفتاحهم على غيرهم، فهم يفاخرون بهذه الميّزة، ويعتبرون أنفسهم فعلا من أهالي «باريس» مدينة النور والفنون، كان استقبالهم حميميا على وقع «السامري» وكانت أفكارهم مستنيرة، فقد حولوا البيوت القديمة والمزارع إلى فنادق ونزل، في رهان كبير على مستقبلهم السياحي. في الرحلة التي تكرّمت علينا بها هيئة السياحة والآثار مع مجموعة من الإعلاميين لمنطقة القصيم، رأينا ما يسر الخاطر من مشاهد حضارية وتاريخية ونبل قوم واحتفاء، ولعل زيارتنا لجمعية «حرفة» في بريدة كانت بمثابة النقاط التي وضعت على الحروف. فالمدينة التي عرف عنها التشدد والانغلاق، تحتضن جمعية نسائية تقدم نموذجا مغايرا حول التعامل مع المرأة، من خلال فتح فرص العمل لها وإعطائها حقها في تقرير مصيرها والبحث عن كيانها وكينونتها، وبدا أن الفكرة السائدة التي نحملها عن هذه المنطقة ليست سوى مجرد فكرة بائدة، ففي القصيم نهضة حقيقية لصالح الإنسان والتنمية والتحضر.