ينقل عن بعض طلبة الشيخ ابن عثيمين أنه (يرحمه الله) حينما تضطره الظروف أحيانا لمكالمة أهل بيته في الهاتف وهو في فترة الدوام فإنه يتوجه إلى الشارع ليستخدم هاتف العملة تبرئة لذمته، كون ذلك الحديث لا علاقة له بأمور العمل. تذكرت هذا وأنا أشاهد موظفا حكوميا لم يكتف باستخدام سيارة الحكومة في أيام الإجازة الأسبوعية في غير مهام العمل، بل دائما ما يدع ابنه يقود تلك السيارة رغم عدم بلوغه السن القانوني للقيادة، ليرتكب الأب بذلك ثلاث مخالفات، الأولى استخدام سيارة الحكومة في غير وقت العمل، والمخالفة الثانية السماح لابنه بقيادة السيارة، والمخالفة الثالثة قيادة ابنه للسيارة بدون رخصة قيادة كونه صغير السن، وفي ظني أن هذا الموظف لم يهتم مطلقا بالجانب الشرعي، ولو نبهه أحد ما لمخالفاته تلك لربما سيحتاط خوفا من الجهات الرقابية أقول ربما! لكنه حتما لا يفكر أبدا في الجانب الشرعي، ولا يفكر بما إذا كان عمله ذلك جائزا أم لا؟ أكتب هذا المثال البسيط وأنا على يقين أن هناك الكثير – ومعهم حق- يستخفون بالمثال الذي أوردته هنا لأنهم يدركون أن حجم المخالفات وحجم الذمة الضائعة ليست متوقفة على قيادة سيارة الحكومة في غير وقت العمل، أو في غير مهام العمل بمثل ما ابتسم الكثيرون أيضا استخفافا – ومعهم حق- وهم يقرؤون ما نقلته عن طلبة الشيخ ابن عثيمين حول حرصه على تبرئه ذمته عبر عدم استخدامه لهاتف الحكومة في غير مهام العمل، لأن لديهم من الشواهد والأمثلة على ضياع الذمة وأكل الأموال العامة بغير وجه حق ما يتجاوز مكالمة هاتفية قد لا تتعدى هللات. أقول العبرة بالمبدأ وليس بالحجم أو الكم، فالحذر والتحفظ والحيطة من الأمر الصغير جدا هو بمثابة مؤشر هام على وجود الذمة والخوف من الله قبل الخوف من النظام، ومن ثم لا غرابة أن تصبح المسائل الأكبر أعظم وأخطر في نظر أولئك الحذرين والمتقين، ولهذا فإن في ذكرها عظة للمتعظين، وعبرة للمعتبرين، بغض النظر عن نوع المخالفة وحجمها ومن ارتكبها سواء كانت في قطاع حكومي أو قطاع عام.