قام المفكر الفرنسي "ستيفان لاكرو" المهتم بالحركات الإسلامية بتأليف كتاب يبحث في الصحوة الإسلامية المعاصرة في المملكة العربية السعودية وسماه ( زمن الصحوة ) وقد استغرق العمل على هذا الكتاب ست سنوات . والأصل بهذا الكتاب أنه رسالة نال بها الباحث شهادة الدكتوراه وكان اسم الرسالة ( الإسلاميون السعوديون ..تمرد فاشل ) وقد نشرت بالفرنسية عام 2010 وترجمت إلى اللغة الإنجليزية تحت عنوان ( صحوة الإسلام ..مناورات المعارضة الدينية في السعودية المعاصرة ) ثم ترجم أخيرا للعربية عام 2012 تحت عنوان ( زمن الصحوة الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية ) . وقد قرأت هذا الكتاب ووجدت أن الباحث اجتهد في جمع محتواه ، وحاول إخراجه للقاري بصورة مرضية ، وقد حوى الكتاب معلومات قيمة ، ومفيدة ، وتستحق القراءة ، إلا أن عليه ملاحظات جوهرية مخلة ، ومؤذية في نفس الوقت . نعم الأحداث ، والأسماء ،والتواريخ ، صحيحة . لكن التوظيف ، والاستنتاج ، والربط فيه هفوات ، وإخلال ، وتحني ، وسأتطرق إلى بعض هذه الملاحظات والتجنيات التي وقع بها الباحث : أولاً / الباحث اعتمد كثيراً في بحثه على بعض المثقفين التنويريين ، وهو لا يخرجهم من الصحوة ، بل يعتبرهم صحويين تنويريين ، ويسميهم بالمثقفين الصحويين . وهذا غير صحيح ، فالتنويريون انشقوا عن الصحوة ، وأصبحوا خصوماً لها ولم يعد بالإمكان تسميتهم بالصحويين ( كاصطلاح ) . وهؤلاء التنويريون والذين يطلق عليهم الباحث ( اللبرواسلاميين ) هم أكثر من أملى على الباحث مادة بحثه ، وهم المرجع الأول في كثير من سطوره ، لذا نجد الباحث حسب توجيه تلك المراجع يعطي هؤلاء التنويريين دوراً كبيراً في وراثة الصحوة ، وأنهم قاموا بدور بطولي ووطني على مستوى المملكة ، حيث يذكر أنهم قاموا بالحشد والتعبئة ، وحمل هم الأمة من أجل الإصلاح السياسي ، وأنهم ضحوا وسجنوا ... الخ . ويتعجب الباحث أشد العجب من عدم نجاح التنويريين بالتعبئة والحشد رغم أن الظروف مواتية ، والطرق ميسرة ، حسب قوله ، ويتساءل لماذا لم يصطف المجتمع معهم . وهذا التساؤل يدل على جهل الباحث بواقع المجتمع . والباحث بالغ كثيراً جداً في دور التنويريين في السعي للإصلاح ، فقد سود لهم صفحات كثيرة لإبراز تضحياتهم ، وبيان اجتهادهم وسعيهم للإصلاح ، وهذا خلافاً للحقيقة . ثانياً / اختطاف الصحوة : أن يأتي أحد ويسرق الجهد ويخطف المنتج فهذا الأمر قد يحصل ، لكن أكثر المؤلم حقاً أن يأتي صاحب المنتج ويهدي إنتاجه وإبداعه وجهده إلى الآخرين ن ويكون هو تابع . نعم هذا ما حصل للصحوة في هذه البلاد ، حيث أن الباحث وبمساعدة المراجع التنويرية أحال ( الصحوة ) في بلادنا لجماعة الإخوان المسلمين ، وجعلها تابعة لهم ، ونسف جهود أبناء البلد ، رغم أن جماعة الإخوان المسلمين لم يدّعوا ذلك الفضل ، ولم يقولوا به . وقد أكثر من ذكر جماعة الإخوان المسلمين ، وكأنه يتكلم عن جماعة الإخوان في مصر وليس عن الصحوة في السعودية . ومن المعلوم أن الصحوة هي إنتاج محلي ، قام على أيدي رجال وشباب وعلماء من هذه البلاد . فكيف تكون الصحوة إخوانية وهي تختلف عن أدبيات جماعة الإخوان في العقيدة وفي أبواب الفقه ! حيث من المعلوم أن التابع يتبع المتبوع ، والفرع يرجع للأصل . وإمعاناً في سرقة الصحوة ، وتجريد جهود أبناء البلد منها ، أضافوا جزء منها إلى الشيخ محمد سرور زين العابدين ، حيث أطلقوا على قسم من جماعة الصحوة لفظ ( السرورية ) ، مع العلم أن الشيخ سرور جاء إلى المملكة إخوانياً وخرج منها سلفياً ، أي تأثر ولم يؤثر . ومصطلح ( السرورية ) أول من أطلقه هم جماعة ( الجامية ) تنفيراً من الصحوة ، وهو لفظ عدائي يستخدم للنيل من الآخر ، ولم يكن التنويويون يستخدمون هذا اللفظ ، بل كانوا يستخدمون لفظ الصحويين فقط ، فلما زادت الخصومة في الآونة الأخيرة استخدم التنويريون لفظ السرورية للتنفير . ثالثاً / قدم المؤلف الصحوة الإسلامية على أنها معارضة سياسية ، وأفرغها من محتواها الروحي الديني ، حيث سرد مراحلها على أنها تعبئة سياسية حركية ، تسعى من أجل الوصول إلى الحكم ، والتغيير السياسي ، فهو يتكلم عن التعبئة ، والحشد ، وكسب النفوذ ، والاصطفاف . ولذا نراه يقارن جموع الصحوة وانتشارها بالتعبئة لثورة الخميني أو حركة الإنقاذ بالجزائر . ونجده في ختام بحثه يحكم على مشروع الصحوة بالفشل لعدم استطاعتها الوصول للحكم ، أو إيجاد تغيير سياسي . فالصحوة في نظر الباحث تعنى الانتفاضة ضد السلطة ، وليست من أجل التوعية الدينية والالتزام الشرعي . رابعاً / تكلم الباحث عن العلماء الكبار وخصوصاً هيئة كبار العلماء وذكر أنهم أعداء للصحوة ، وخصوماً لها ، وأن من أهداف الصحوة الانتصار على هؤلاء العلماء وتجريدهم من الأتباع . ويتكلم عن صراع وهجوم كل طرف على الآخر حيث يقول في صفحة 190 : ( ولا شك في أن كم الحنق يزداد لأن العلماء الوهابيين التقليديين مازالوا يشكلون أرستقراطية حقيقية ومغلقة ، ولأن علماء الصحوة لا ينتمون في غالبيتهم إلى هذه الشبكة المحظوظة ) . ويقول في ص 191 : ( بدأ علماء المحيط حربهم الخفية ضد علماء المركز في المجال أي شيوخ الوهابية التقليديون ) . ويقول عن الشيخ صالح اللحيدان : ( شخص مثل صالح اللحيدان وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى والذي كان عدواً للصحويين الذين يستهدفونه ) . ويتجاوز الباحث ، حيث يصف العلماء الكبار كابن باز وابن عثيمين ومن معهم من هيئة كبار العلماء ( بالمرجئة ) ويرى أن الإرجاء سبب من أسباب العداوة بين الصحوة وهؤلاء العلماء حيث يقول : ( وتعتبر مسألة الإرجاء المحور الثاني لهجمة الصحويين على المؤسسة الدينية التقليدية. كلمة الإرجاء تسمية لموقف ينبني على عدم رد الفعل وترك الحكم إلى يوم القيامة ) . أه والباحث يرى أن تحرك العلماء الكبار ونشاطهم منوط بتصفية الحسابات ، وأن بعضهم يكيد لبعض في الخفاء ، ويغار بعضهم من بعض ، فهو يرى مثلاً أن ما وصل إليه الشيخ ابن عثيمين من المكانة والحضوة الاجتماعية أثار غيرة وعداوة الشيخ حمود الشعيبي ، وأن التهميش للشيخ الشعيبي هو ما جعله يدعم الصحوة الاحتجاجية الجهادية . حيث يقول عن الشعيبي في صفحة 225 بعد أن ذكر مكانة ابن عثيمين وأنها سبب دعم الشعيبي للصحوة الاحتجاجية : ( قد تفسر هذه العداوة الشخصية لابن عثيمين والتي تعكس إحساساً أعمق بالتهميش دعم الشعيبي للاحتجاج .) . وكمثل هذا القول قاله عن الشيخين البراك وابن جبرين وأن دعمهما للصحوة الاحتجاجية هو بسبب التهميش . وعن هؤلاء الثلاثة ( الشعيبي والبراك وابن جبرين ) يقول الباحث : ( وهكذا انتهز المناصرون الذين كان التحاقهم بالاحتجاج الصحوي يعود في جانب منه إلى عدائهم لعلماء المؤسسة الرسمية الفرصة لتصفية حساب قديم مع خصومهم التاريخيين ) . وهكذا فهو يصف العلماء الرسميين كابن باز وابن عثيمين ويقدمهم كأعداء للصحوة . وهذا من البهتان ، والتجني ، والظلم ، والقول بغير علم . خامساً / جهل الباحث في شمولية الدين الإسلامي لكل نواحي الحياة ، فنراه يستعرض تدخل المفتي ابن إبراهيم واعتراضاته على بعض القرارات والأنظمة الحكومية ، مثل ( اعتراضه على المحاكم التجارية ، واعتراضه على نظام العمل والعمال ، وشجبه تشكيل هيئة فض المنازعات خارج الحكم بما أنزل الله ، ووصفه للقوانين الوضعية بأنها كفر . ) ويرى الباحث أن في هذا تدخل لرؤية الدين في المجال السياسي ، ويستغرب من عدم وجود رد فعل من المجتمع على هذه التدخلات من المفتي ، مما حدا بالسلطة إلى الإذعان لمطالب ابن إبراهيم على حد قوله. سادساً / خلط الباحث بين ( إخوان بريدة ) وبين جماعة الإخوان المسلمين ، فهو لم يبين أن ( إخوان بريدة ) ليسوا تبعاً للإخوان المسلمين ، فالقاري حين يقرأ للباحث وهو يتكلم عن إخوان بريدة يظن أنه يقصد المنتسبين للإخوان المسلمين . سابعاً / يشكك الباحث إلى وجود تحالف وتقارب بين بعض الصحويين وبين الشيعة الشيرازيين ، وأن هذا التحالف أجبر الدولة في الدخول في مفاوضات مع الشيعة حيث يقول في ص300 : ( وأياً كانت حقيقة التقارب بين الصحويين والشيرازيين وقابلية تحقق تحالف بين الطرفين ، يبدو على كل حال أن هذا الاحتمال قد أسهم بشكل كبير في إقناع العائلة المالكة بالدخول في مفاوضات مع المعرضة الشيرازية ). ويشير إلى أن هذا التقارب لم يصل إلى مستوى الشراكة العملية بينهما !! وهذا من التضليل ، حيث اعتمد الباحث في هذه المعلومة على أحد الناشطين الشيعة . [email protected]