ها قد حان موسم: العودة إلى المدرسة... العودة إلى المكتب... العودة إلى الكتابة (باستثناء بعض التحرشات الكتابية في مواقع أخرى)... كدت أن أقول: (العودة إلى القراءة!) إذ لا تكاد اللقاءات الاجتماعية الصيفية تُبقي وقتاً للقراءة. مع انقضاء شهر أغسطس ومجيء سبتمبر من كل عام تخرج الكائنات البشرية من البيات الصيفي باتجاه حقول العمل والتعلم، بعد أن مكثتْ شهراً كاملاً، يزيد أو ينقص، في ارتخاء عضلي وذهني. هذه الحال لا تنطبق على الجميع، فهناك فئة من الناس تستلزم طبيعة عملهم أن يكونوا دوماً في حالة شد ذهني وعضلي. فئة أخرى أيضاً لها وضعها الخاص فهي تعيش حالة ارتخاء عضلي وذهني طوال العام!! في كل عام أخصص مقالتي الأولى بعد استئناف الكتابة للحديث عن معاناة الإجازة الصيفية، خصوصاً للذين يعملون في الخارج ويقضون صيفهم في الوطن، وقد عنونتها في أحد الأعوام الماضية ب(موسم الهجرة إلى «الجنوب»). هذا العام سأريحكم، لن أحدثكم عن المعاناة، بل عن متعة العودة إلى القرية. عندما نسمي بلدتنا القديمة بالمدينة فإنها تكبر في عيوننا... ولكن عندما نسميها القرية فإنها تكبر في قلوبنا. أتيحت لي هذا العام فرصة المشاركة مع احتفالات العيد في بلدة آبائي وأجدادي «حَرْمَة» بإقليم سدير. وقد تشرفتُ بإلقاء كلمة الأهالي في الاحتفال الشعبي، وكانت المقاطع التالية مما قلته في الكلمة: «1» سألني صديقي: أرسلناك إلى باريس كي تنسى حَرْمَة، فماذا حصل؟! أجبته مناكفاً: حصل العكس، أصبحت كل يوم أصحو في الصباح وأرى «باريس» فأتذكّر «حَرمة» من جديد! (أعذبُ المديحِ أكذبه). «2» في سن الطفولة... نحب بيتنا الذي فيه أُمُّنا. في سن المراهقة... نحب مدينتنا التي فيها حارتنا وأصدقاؤنا. في سن الشباب... نحب كل المدن، عدا مدينتنا. في سن الكهولة... نحب المدينة التي نشأ فيها آباؤنا. في سن الشيخوخة... نعود فنحب بيتنا الذي فيه فراشنا. «3» في اليونسكو... تعلّمتُ كيف أحترم المدن الكبيرة، لكن أحب المدن الصغيرة. وأن الحياة في المدن الكبيرة أسهل، لكن الحياة في المدن الصغيرة أبسط! وأن الساعة في المدن الصغيرة أطول من الساعة في المدن الكبيرة، وبذا يكون سكان القرى أطول عمراً من سكان المدن. وأن الأرواح في المدن الكبيرة صغيرة... وأن الأرواح في المدن الصغيرة كبيرة. في القرى «الصغيرة والقديمة «... نتعلّم كيف نعطف على «الصغار» ونحترم «المسنّين».