جهاد الخازن - الحياة اللندينة الأسبوع الماضي كان أسبوع المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي اختار ميت رومني مرشحاً عن الحزب للرئاسة الاميركية وبول ريان نائباً له، وهذا الأسبوع هو أسبوع المؤتمر الوطني للحزب الديموقراطي، وأنا أكتب صباح الاثنين، قبل بدء أعمال المؤتمر، بسبب فارق الوقت مع لندن، وأغامر فأقول إن مؤتمر الديموقراطيين سيكون أكثر صدقاً وأقرب الى حقيقة أوضاع الولاياتالمتحدة داخلياً، وحول العالم، من مؤتمر الجمهوريين. السياسة كلمة مرادفة للكذب، غير أنني في أربعة عقود من العمل، بما في ذلك الإقامة سنوات في واشنطن، لم أسمع في حياتي أو أتابع كذباً متعمداً وقحاً الى درجة إهانة المستمعين، بقدر ما فاض به اناء الحزب الجمهوري، أو تكتل «الصناعة والعسكر» الذي حذر منه دوايت ايزنهاور يوماً، وحزب الأثرياء الذي يحاول جاهداً أن يحرم الفقراء من رعاية صحية في أغنى بلد في العالم. شعار المؤتمر كان الكذب بعينه، وكان «نحن بنيناها» وهم لو صَدَقوا لكان شعارهم «نحن هدمناها» فنحن نتكلم عن تاريخ عاصرناه جميعاً بالصوت والصورة، والجمهوري جورج بوش الابن ورِثَ فائضاً بترليون دولار عن الديموقراطي بيل كلينتون، وترك للديموقراطي باراك اوباما عجزاً مباشراً بترليون دولار، وخسائر بحوالى 14 ترليون دولار، بعد حروب خاسرة في أفغانستان والعراق وضد الإرهاب. وقصم تلفيق أسباب الحرب عمداً في العراق ظهر الإقتصاد الاميركي، فكانت أزمة 2008 المستمرة، بعد أن استدانت إدارة بوش من الصين لتحارب وتخسر حول العالم. مؤتمر الجمهوريين تجاوز السياسة الخارجية والأمن القومي، إلا في ما ندر، وميت رومني أيَّد اسرائيل وهاجم ايران ووعد بزيادة الإنفاق العسكري في بلد مفلس. أما السناتور جون ماكين فعارض الإنسحاب من أفغانستان سنة 2014 ودعا الى تدخل في سورية، وتحدث ووزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس عن «سلام عبر القوة» فتجاوزت رايس دورها في خوض حروب قتلت مليون عربي ومسلم. وأقول مرة أخرى إن الأسباب زُوِّرَت عمداً، وكانت نفطية واسرائيلية ولا تشمل أي مصلحة اميركية. مؤتمر الجمهوريين كان مجبولاً بالكذب كما الإنسان مجبول بالخطيئة حسب قول التوراة، ومع تحويل الهدم الأكيد الى بناء مزعوم كان العنصر الغالب على المؤتمر هو أن الجمهوريين حاولوا التعاون مع باراك اوباما لتجاوز الخلافات الحزبية وإعادة بناء الإقتصاد معاً إلا أنه رفض. هذا الكلام يصفع الحقيقة في وجهها، فهم أخذوا قراراً من اليوم الأول بالعمل ليفشل الرئيس الجديد، ولو كان ذلك من طريق تعميق الأزمة التي أطلقها الجمهوريون وإطالتها ثم تحميل الرئيس الجديد المسؤولية عنها. ممثل غوغائية الجمهوريين الإذاعي راش ليمباو قال حرفياً بعد هزيمتهم سنة 2008 «آمل أن يفشل اوباما». والسناتور ميتش ماكونيل، رئيس الجمهوريين في مجلس الشيوخ، قال عن موقف حزبه «الشيء الوحيد والأهم الذي نريد تحقيقه هو أن يكون اوباما رئيساً لولاية واحدة». بل ان ميت رومني نفسه، وهو مليونير كبير يدفع ضرائب أقل من العاملين له، قال «دعوا ديترويت تفلس»، أي أنه وجد صناعة السيارات الاميركية تواجه صعوبات فلم يطلب لها الخروج من أزمتها وإنما تمنى لها الخراب، أي خراب بيوت مئات ألوف العمال الاميركيين في هذه الصناعة، ليؤذي معهم الرئيس. كيف يمكن أن يقول الجمهوريون اليوم إنهم حاولوا التعاون مع باراك اوباما، وهو رفض اليد الممدودة لمصافحته؟ هم حاربوا الضمانات الصحية للفقراء، وعندما أقِرَّت معدَّلة مخففة، أطلقوا عليها اسم «اوباما كير»، أو رعاية اوباما، تحقيراً لها. وبعد انتخابات 2010 وسيطرتهم على مجلس النواب، عطلوا كل اقتراح للرئيس والمناقشات مسجلة بما يستحيل معه نفيها. أكتب قبل ساعات من بدء الديموقراطيين مؤتمرهم، الذي سيختار باراك اوباما للرئاسة وجو بايدن نائباً له. وكل ما أستطيع أن أتوقع هذا الأسبوع هو أن الكذب سيكون أقل لأن من المستحيل أن يكون أكثر.