في أحد شوارع مدينة تورنتو الكندية كنت أسير علي قدمي وبجواري رجل كندي ضخم معه كلب كنت أسترق النظر إليه دون أن أُشعر الرجل بذلك فقد كان يختلف عن الكلاب التي أراها عندنا وكان يشبه الكلاب التي نشاهدها في أفلام الكرتون التي تنتجها ديزني ، وعند وصولي للسوبرماركت تركت الكندي وكلبه وقطعت الشارع - الذي كان شبه خالياً من السيارات حينها - واضطررت للتأخر عن دخول المحل بسبب مكالمة أردت الانتهاء منها خارجاً ، وفي هذه الأثناء فوجئت بالكندي وكلبه يسيران قرابة المائة والخمسين متراً ليصلا لخط المشاة ثم يسيران عليه - مع أن الشارع خالٍ من رجال المرور - ويعودان ليصلا إلى السوبر ماركت ويدخلاه في مشهد لم أتعود عليه !! ما دفعني إلى اللحاق به وسؤاله مباشرة : لماذا لم تقطع الطريق مباشرة وهو خال من السيارات ؟! فقال : إنه النظام فسألته هل توجد مخالفة لو لم تلتزم بالعبور على خط المشاة ، فأجابني بحزم ( هذا النظام من أجلي ) وانصرف بعد أن أشعل جمرة مقارنة حارقة بين نظرتنا للنظام ورؤيتهم !!.. العربي لا يلتزم بالأنظمة لأنه يعتقد أنها وضعت من أجل الحكومة وليست من أجله ، فمشهد انطلاق مركباتنا بسرعة عالية بعد تجاوز كاميرات ساهر يشعرك بسباق انتقامي تقاس به شدة الحنق بكمية السرعة وعدد ألفاظ الشتائم والدعاء بالهلاك على فريق ساهر .. إننا نعيش أزمة ثقة وأزمة ثقافة حيال كل نظام ، وهذا لا يقتصر على ثنائية النظام بين الحكومة والمواطن فقط ، فهي أزمة مجتمعية بدرجة كبيرة فالأب هو الوحيد الذي يحاول المحافظة على استهلاك الكهرباء في المنزل والأولاد لا يستجيبون لذلك طوعاً لأنهم يحملون قناعة داخلية أن المال والبيت للأب وليس لهم. إننا نعيش أزمة ثقة وأزمة ثقافة حيال كل نظام ، وهذا لا يقتصر على ثنائية النظام بين الحكومة والمواطن فقط ، فهي أزمة مجتمعية بدرجة كبيرة فالأب هو الوحيد الذي يحاول المحافظة على استهلاك الكهرباء في المنزل والأولاد لا يستجيبون لذلك طوعاً لأنهم يحملون قناعة داخلية أن المال والبيت للأب وليس لهم ، والأم تقوم بالتشديد والالتزام ليس من منطلق شراكة الفكرة ولكن للحفاظ على غضب الأب في مستوياته العادية .. عندما تحاول تتبع واستقراء انطباع الناس تجاه أداء أي مؤسسة تشريعية في البلد ستجد أن شبه الإجماع ينعقد على أن الأصل في القانون الذي سيسن هو ليس في صالح المواطن بالدرجة الأولى ولن يستفيد من هذه القوانين رجل الشارع البسيط وأن المشرع سيبحث عن مصلحته الشخصية ومصلحة المؤسسة المشرعة وقد تكون الفاتورة على حساب المواطن العادي ، وهذا تستطيع ملاحظته عند سؤال عموم الناس عن مؤسسة كمجلس الشورى تعنى بالقوانين والأنظمة والتشريعات .. وحتى الخطاب الديني حيال هذا الموضوع قد يستخدم لغة ( معصية ولي الأمر ) بأسلوب يجعلنا نشعر أن النظام ضدنا ولصالح الحكومة فقط ونحن مضطرون للانصياع له كي لاندخل في دائرة الحرام . لايكفي أن يكون النظام جيداً وفعالاً إذا لم يشعر الناس أنه من أجلهم .. نحن بحاجة لإعادة ترتيب علاقتنا بالأنظمة وبالمؤسسات المشرعة وبطريقة التشريع ، وبحاجة لإعادة صياغة الرؤية حول «النظام» ثقافة وتشريعاً وتطبيقاً في بلد ينتشي الفرد فيه عندما يجد واسطة يخالف بها النظام !!..