وتكملته: وفي الموت من بعد الرحيل رحيل.. وهكذا قضى الله أن تتوفى زوجتي الشريفة شمس أحمد الحسيني عن اثنين وسبعين عاما بعد أن عانت من مرض عضال، ولمن لا يعرفها فقد كانت أول محررة سعودية لصفحة المرأة، وكان ذلك في صحيفة الرياض في بداية تأسيسها، ثم تفرغت بعد ذلك لتكون عمري الثاني، والذي أصبح مفقودا الآن، ولكني سأظل أبحث عنه ما بقي لي من أيام، فأنا الآن في الثامنة والسبعين، سأظل أبحث عنه كما بحث الشاعر الجاهلي عن الأطلال، وهي أيضا عمره المفقود، أبحث عنه في كل مكان أقمنا أو حللنا فيه، في روما التي قضينا فيها شهر العسل، وبالذات في نافورة تريفي التي يقال ان من رمى فيها عملة فسيعود إليها، وستجلب له السعادة وهذا ما فعلناه، وقد عدنا إليها مرارا وعشنا سعداء، وعندما أعود إليها الآن لن أكون سعيدا وسأشرق بالدموع وقد يتوقف القلب الواهن، وأبحث عنه أيضا في الولاياتالمتحدة التي قضينا فيها ثلاث سنوات، وفي باريس التي عشنا فيها عشر سنوات، وأراد الله أن تموت فيها، ولكني لن أبحث عنه في بيتنا الذي آوانا في عمرنا الأخير في جدة، لأنني سأجده في كل قطعة من أثاثه: وبالذات في السرير الذي كنت تنامين عليه، والذي لن ينام عليه أحد بعدك. ثم ماذا: لم تكوني عمري الثاني فحسب بل كنت نفسي الأخرى، والقلب الذي كان يدقّ مع دقات قلبي والروح التي كانت تتحد مع روحي، ولم تشاركيني في عيشي فحسب، بل كنت أنت التي تتولى أموره وتتحمل مسؤوليته، وتعتني بكل صغيرة وكبيرة فيه، والآن أصبحت كالطفل الذي يحتاج إلى من يرعاه ويقوده في درب الحياة، ولا أدري ما الله صانع بي. وأخيرا وليس آخرا لا يسعني سوى أن أقول رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه، ولن يطول الأمد حتى ألتقي بك إن شاء الله في رحابه والذي وسع ملكه كل شيء، وسلام عليك.