المرء لا يعرف قيمة ما يمتلكه إلا عندما يفقده، وهذه حقيقة لا يجهلها أحد، إلا أننا لا نفهما إلا إذا عشنا أحداثها، والموت سُنه كونيه إلاهية مؤكده لا جِدال فيها، سَنها الخالق بين خَلْقِهْ، فلا خلود في هذه الحياة الفانية {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ} ولكن {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} فعندما يَرْحَلْ الأحباب عنا لا نملك لهم سِوَى الدعاء بالرحمة والغفران والعتق من النيران، وسكنان الجنان، فكيف بمن فقد والدية، وأصبح في هذه الحياة غريب، فَبِرَحِيلَهُم تُدفن الأماني، وتُردم الأحلام، وتصبح الأيام ظلام، وما أعجب هذه الحياة، أيامها تمضى سِراع، فبالأمس القريب رحلت عن دنيا الزوال أمي الحبيبة في ال 27 / 9 / 1424ه، وبِرَحِيلَها توقف القلب الذي يضخ الحب والوئام والعفو بلا حساب بين أفراد العائلة، ولم يعُدْ هناك صدر حنون يحتويني أحس فيه بالأمن والأمان، ماتت سر أسراري، وهداية حيرتي، وترجمان كياني، وشمعة حياتي، وغدا كل شيء في هذه الدنيا مُر المذاق، وبرحيلها أَسْدَلَتْ السعادة سِتَارَتَها على مسرح الحياة، فأي طعم للحياة بلا أم ؟ يا صاحبة اللسان الذاكر، والقلب الخاشع، والجسم الراكع الساجد، واليد المعطاء لك مني الدعاء ما تعاقب الليل والنهار وقلبي ينبض بين الحنايا، فكيف لي أنْ أَنْسَاكِ، وأَنْتِ من أفنيتي عُمْرِكْ في تربيتي وأنا جاهل صغير بعد أن فارق الحياة والدي تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه، يا بلسم القلب والجروح، يا منبع قوتي وإستمراري، يا من كُنْتِ أغلى ما في الوجود ليتك تنظري إلى سحابات الحزن التي تجتمع في سماء مقلتاي فتهطل من خلالها دموعي شوقاً ولهفه إلى رؤيتك، فبرحيلك يا غالية لا يوجد من يجفف الدموع، ولم اعد أجد من يرسم لي الابتسامة على شفتاي، أصبحت بعدك أعيش في عالم غريب لا يحيط به سوى الغربة والوحدة والبعد ونيران الشوق إليك، حتى أصبحت مثل أوراق الشجر المتناثرة تنثرها الرياح هنا وهناك، والله يا أمي إن المكان الذي لستِ فيه مقفر، والحياة بدونك صحراء قاحلة. أمي الحبيبة: ستبقي في قلبي مهما كانت الظروف، وسيبقى شوقي إليك هو دمي الذي يجري في عروقي. أمي الحبيبة: بماذا أرثيك في عامك السابع، فوالله والله إن الكلمات فقد لساني نطقها، وقلمي تعثر في كتابة ما يجول بخاطري، ومداد القلب لن يفي ويكفي لذلك. دعاء: اللهم أغفر لها وأرحمها، وعافها وأعف عنها، وأغسلها بالماء والثلج والبرد، ونقها من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدلها داراً خيراً من دارها، وأهلاً خير من أهلها، وزوجاً خيراً من زوجها، وأدخلها الجنة بعفوك وإحسانك، وأعذها من عذاب القبر، ومن عذاب النار. همسه: من فقد أمه فقد أبويه. ومن أصدق من الله قيلاً {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. [email protected]