بالتأكيد نحن لسنا في حالة حرب مع أحد ولن نكون - بإذن الله - لكننا نخوض يومياً معارك التنمية وتحديات البناء والتحديث، ولا يمكننا البناء وحماية الاستقرار من دون الشباب، بطاقاتهم وعقولهم وانتمائهم. لذا يتوجب علينا النظر إلى مجتمعنا السعودي بصورة مختلفة والاستفادة من عنصر الشباب الذي تزيد نسبته على 60% وتحويل هذه الطاقة المتحمسة والقادرة إلى طاقة مفيدة تتمتع بالصحة البدنية والعقلية والانضباطية في السلوك والشخصية، وأن لا نجعلها فريسة الإحباط والتجهيل وأمراض السمنة وقلة الحركة. والبيئة الأنسب للتربية الوطنية والسلوكية، هي البيئة العسكرية، وهنا لا أدعو إلى عسكرة المجتمع بل إلى تأهيل أساسي شامل يفتح للشاب بوابة حياة عملية ناجحة، وذلك من خلال “كلية تأهيل عسكري" تشترك في إدارتها القوات المسلحة والحرس الوطني ووزارة الداخلية، ويكون لها أكثر من فرع خارج المدن الرئيسة، ويُلزم خريجو الثانوية العامة بالالتحاق في الكلية لمدة عام كامل، وبعد انتهاء العام التأهيلي، يتوزع الطلبة إلى الجامعات المدنية والكليات العسكرية والمعاهد الفنية. سنة التأهيل العسكري هذه لا يتعلم فيها الطالب استخدام الأسلحة وأنواعها، والحركات الميدانية العسكرية فقط، بل يتم وضع برنامج أكاديمي لتأكيد الانتماء الوطني، ودروس في التاريخ تعتمد على زيادة الوعي وترسيخ الثوابت. وللجهد البدني والتمارين الرياضية دور مهم في تجنيب الشباب مشكلات السمنة والأمراض الناتجة عنها، كما يتم التركيز على الانضباطية والسلوك، وفنون التعامل والتواصل، ويتم التنسيق مع الجامعات لعمل محاضرات أسبوعية عن التخصصات الجامعية والحرفية ليختار الشاب ما يناسبه، حتى لا يصطدم بصعوبات لم تكن بالحسبان تؤثر على إكمال تعليمه العالي مستقبلاً. المستقبل لا يرحم المتخاذلين والمترددين، ولا مستقبل من دون شباب يتمتعون بالمسؤولية، إلى جانب الثقة بالنفس، لا نريد أجيالاً تقتات على معونة البطالة في أول حياتها، من دون الاستفادة من مقدرات وطاقات قد تستنفدها مغريات تجر إلى مالا يحمد عقباه. التأهيل العسكري الإلزامي للمتخرجين من الثانوية العامة ضرورة ملحة، ليس عسكرياً كما ذكرت، ولكن على الصعيد التنموي والاجتماعي، ولا يمكن فصل الأمن الوطني عن الشأنين الاجتماعي والتنموي. كلية التأهيل العسكري التي أقترحها، ستكون حاضنة لأبناء الوطن من كل المناطق والمدن والقرى، ستعزز اللحمة وتزيد الترابط، وستعطي درساً مهماً في حقيقة الوطنية ومعنى خدمة الوطن، وسترسخ السلوكيات الإيجابية، وتصنع رجلاً قادراً على التحمل. يمكن اعتبار هذه السنة التأهيلية سنة إضافية للتعليم العام “رابع ثانوي"، بحيث ينتقل الطالب من مدارس التربية والتعليم إلى الكلية التأهيلية العسكرية ولا يتسلم وثيقة إنهاء الدراسة الثانوية إلا بعد اجتيازها. لنا أن نفخر بأننا في المملكة نحن من صنعنا تنميتنا بفضل الله، من دون منّة من أحد، وعلينا أن نعرف أن مقدساتنا وحدودنا وثرواتنا الطبيعية لن يحميها أحد بعد الله إلا أبناء هذا الوطن، والأمن الذي نعيشه نعمة كبرى والحفاظ عليها واجب ديني ووطني.