مسألة «تمثيل الأنبياء والصحابة» من المسائل التي يُعاد طرحها بشكل حاد ومكرر عند حلول رمضان من كل عام جديد، وهي مسألة فقهية فرعية ومجال الاجتهاد فيها واسع، وهي من ضمن المسائل الشهيرة التي قُتلت بحثاً، والملاحظ أن الموضوع أخذ في السنوات الأخيرة اتجاهاً سلبياً من ناحية تصفية الحسابات والتهجم والتشويه والمزايدة على الآخرين في دينهم وعلمهم وغيرتهم الدينية، وغير إشغال الرأي العام في مسائل فرعية على حساب قضايا جوهرية تستحق البحث والطرح وبث الوعي فيها. أما موضوع الاختلاف بين العلماء في مسألة تمثيل الأنبياء والصحابة فهو أمر لا إشكال فيه من ناحية الاختلاف في حرمته أو مشروعيته، وإنما الإشكال حينما يكون هناك دخلاء على خط هذا الاختلاف، والسعي في ممارسة الأساليب المتطرفة في الحكم والطعن في النيات ومحاولة تشويه صورة صاحب الرأي المخالف لهم، على رغم أن أصحاب الرأي الآخر علماء كبار ولديهم حججهم القوية الواضحة التي هم فيها أقدر على فهمها وقراءة مقاصدها. كانت أول فتوى دينية في مسألة تمثيل الرسل والصحابة تميل للمنع والتحريم، عندما حاول الفنان يوسف وهبي تمثيل مسرحية «النبي» للأديب الفيلسوف جبران خليل جبران، من بعض علماء الأزهر، والكثير من التفاصيل المرتبطة بمسألة تمثيل الرسل والصحابة مجموعة على شكل ملف في مجلة «المسرح» سنة 1936، وباقي التفاصيل موجودة في مجلة «الرسالة» الشهيرة. أما موضوع الرفض والمنع والتحريم فهي دائماً تكون نحو المسائل المستجدة التي يقف أمامها البعض حائراً وخائفاً من الآثار الناتجة عنها، وهذا الخوف ناتج من العاطفة التي غالباً ما يكون فيها حضور العقل غائباً، وفهم الواقع ضعيفاً. ودائماً نجد أن أصحاب هذا الاتجاه التقليدي قائم على ضد كل ما هو جديد بالنسبة لهم، من دون أن يكون لهم دور إيجابي ينهض بالواقع وفق ظروف العصر، ويعالج الكثير من الأزمات التي جعلت العالم العربي يصل لهذه المرحلة. من ناحية مسألة تمثيل الصحابة فليست هناك نصوص قطعية تحرم ذلك بشكل قاطع، أي لا نقاش فيه. إذا كان البعض يعتقد أن تمثيل دور الصحابة فيه تقليل من هيبتهم وتعدٍ عليهم وغير ذلك، فهي تبقى وجهة نظر تُحترم، وغير ملزمة للآخرين، بحكم غياب النص القطعي ومجال الاجتهاد فيها مفتوح، على النقيض هناك من يرى تمثيل دور الصحابة من خلال توظيف الوسيلة العصرية هو في حقيقته تقدير لهم، وإبراز لتاريخهم الغائب في كثير من جوانبه، وإعطاؤهم حجمهم الذي يليق بهم في ظل ظروف هذا العصر، والإنسان الواعي الذي لا يخفاه ضخامة التأثير الذي تصنعه المسلسلات في نفوس المشاهدين يدرك أهمية استخدام هذه الوسائل في رسم سيرتهم بالشكل الذي يجب، وليس هناك عمل كامل خالٍ من الأخطاء، والتمثيل نستطيع أن نقيسه على من حاول رصد سيرهم وألف فيها من خلال ما فهمه من النصوص والآثار الموجودة في كتب السنة والتاريخ. كذلك غير أن نسبة المشاهدة للمسلسلات أصبحت، مع كل أسف، تطغى على نسبة قراءة الكتب. فكل شيء معرض للخطأ، والقرب من الصحة، والاختلاف سنة كونية، يجب أن نتعامل مع ذلك بوعي وفق قوانين الأخلاق.