العملية الثقافية في أي نظام اجتماعي تقتضي تفاعلًا يرفع درجات ومعدّلات الوعي الجمعي باعتبار أن النخب الثقافية تمتلك الفكر والوعي الضروري لتطوير أدوات المجتمع والقيام بجملة إسقاطات محفزة لتطوير حافز الجماعة لأي أفكار تتعلق بالنهضة، وذلك يأتي في إطار تتكامل فيه المؤسسات المدنية والجهات التنفيذية المعنية بتطوير الشأن الثقافي والمعرفي بصورة عامة. قد لا يتوقع أن تدخل الأطراف الثقافية في أنفاق مظلمة من واقع قدراتها في التعاطي والتكيّف مع المتغيّرات ومواكبة المستجدات برؤى مستنيرة تمكّنها من تجاوز العثرات، ولكن في حال حدوث خلاف وانتهى نهايات غير سعيدة فلا بد أن هناك خللًا ما في المنظومة الثقافية، ولعلي أستشهد بمجريات الأحداث في نتائج انتخابات مجلس إدارة النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية، حيث لا تزال القضية مستمرة في أروقة المحاكم، وفي انتظار الفصل بين المجلس المنتخب ووزارة الثقافة والإعلام. إذا فشل المثقفون في تقديم صورة نموذجية لحل الخلافات فإن المنظومة الاجتماعية تصبح دون قادة رأي حقيقيين وفاعلين ومؤثرين ويصلحون كقدوة فكرية قادرة على تجاوز المنعطفات الحادة؛ لأن الفكر الإنساني أكبر من أن يتم تشويشه في أطر شخصية. وباختصار فإن المجلس رفع قضية ضد قرار حل مجلس النادي في المحكمة الإدارية ضد الوزارة، وتم الحُكم لصالح المجلس غير أن الوزارة استأنفت الحكم ونقضته، وبصرف النظر عن النتيجة النهائية في إعادة المجلس أو حله، إلا أن وصول الأمور الى هذه المحطة ينطوي على عدة نتائج بعضها إيجابي وأكثرها سلبي، أما الإيجابي فتعظيم سلطة القضاء وتأكيد الشفافية والنزاهة بين الأطراف المختلفة، أما السلبيات فيضيق المجال لحصرها ولكن في مقدّمتها مراوحة المثقفين بين الأجهزة القضائية لحل الخلافات فيما يعني تقديم صورة غير لائقة في حسم الأمور. بإمكان الوزارة ومن خلال هياكلها المختلفة أن تترفع عن التعامل مع المثقفين في مساق يضعهم والمذنبين سواء، وذلك يتنافى شكلًا وموضوعًا مع جوهر دورها الأساسي في تطوير العملية الثقافية، فليس من اختصاصها أن تدفع المثقفين الى الأنفاق المظلمة وحشرهم فيها حتى تحقق ما تسعى إليه، فإذا لم يحل الحوار مشكلة، فتلك مشكلة حقيقية في الوزارة، وإذا ما تمّت شخصنة الخلافات ولم تجد سبيلًا عبر الحوار لحسم المشكلات فإنها مطالبة بمراجعة آلياتها ووسائلها في التعامل مع المثقفين. أيا كانت نتيجة الاستئناف فإنها تعكس تطورًا سلبيًا في علاقة الوزارة بالمثقفين، والى أن يحدث ذلك نأمل أن تنهج الجهة التنفيذية أسلوبًا جديدًا في التعاطي مع الشأن الثقافي والمثقفين يفتح أوسع أبواب الحوار لمعالجة أي خلل ثقافي؛ لأن المحصّلة النهائية سواء كانت سلبية أو إيجابية فهي محسوبة على الوزارة، وإذا فشل المثقفون في تقديم صورة نموذجية لحل الخلافات فإن المنظومة الاجتماعية تصبح دون قادة رأي حقيقيين وفاعلين ومؤثرين ويصلحون كقدوة فكرية قادرة على تجاوز المنعطفات الحادة؛ لأن الفكر الإنساني أكبر من أن يتم تشويشه في أطر شخصية. في تقديري أن هناك إخفاقًا حدث، وبصرف النظر عن المتسبّب فيه إلا أن ما يهمّ في هذا الإطار هو خلو العملية الثقافية من الخشونة الإجرائية على نحو ما حدث في تداعيات انتخابات النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية وغيره من أندية المملكة مما رشّح في الصحف ومواقع الإنترنت، وينبغي أن يكون سلوكنا الثقافي أكبر وأسمى من أن يتوقف عند الصغائر، فدون الموضوعية والنزاهة في التعامل مع المشكلات لا يكون ذلك أداء أو فعلًا ثقافيًا ولا يصلح أن يكون نموذجًا فكريًا في النظام الاجتماعي.