زارني قبل أيام في نيويورك الأخ الصديق الأستاذ تركي الدخيل -غفر الله له- وتجاذبنا أطراف الحديث حول شؤون وشجون، قد تسنح الفرصة للكتابة عن بعضها يومًا ما، وفي نهاية زيارته أهداني تركي كتابين أحدهما بعنوان: "قال لي القصيبي"، ذكر فيه النصّ الحرفيّ تقريبًا لمقابلات تركي مع الدكتور غازي القصيبي -يرحمه الله- في البرنامج الناجح "إضاءات"، وشيئًا ممّا كُتب عن القصيبي من محبيه، ومريديه، وقرائه، وأصدقائه، ومع أنني قد قرأت كثيرًا للقصيبي وعنه؛ وشاهدت مقابلات تركي معه، إلاّ أن القصيبي رجل لا يتحدث عن فترة زمنية واحدة أو يتحدث إليها، وإنما يبقى كثير ممّا يقول للزمن والتاريخ، لا يمل تكراره وكثيرًا ما يكتشف المزيد من معانيه وأغواره. لفت نظري ممّا قال له القصيبي وصفه لمتخذ القرار الناجح بأنه ينبغي أن تتوافر لديه خصال ثلاث: المعرفة حتى يميّز القرار الصحيح، ويتمكّن من التوصّل إليه، وهي قضية تتعلّق بالتأهيل والخبرة والقدرة على التحليل والاستنتاج، ثم أن تتوافر لدى المدير القدرة على اتّخاذ القرار الصحيح، وهو قرار قد لا يكون أيسر القرارات، وقد تكون له تبعات جسام، أو تقف دونه محاذير ومخاطر عظام، وعندئذٍ تصبح القدرة على اتخاذ القرار الصحيح مسألة شجاعة معنوية، وجرأة شخصية، أي أنها تتعلق بالخصال الإنسانية لمتخذ القرار ومدى استعداده لتحمّل تبعات قراره، ثم يأتي العنصر الثالث وهو مدى كفاءة متخذ القرار في مهارات التنفيذ، وهنا نعود إلى القدرات الإدارية التنفيذية. فقد يكون أمهر المحللين وأكفأ الأساتذة المنظرين أقل قدرة من سواه على الإشراف على تنفيذ القرار، وحشد ما يحتاج إليه التنفيذ من كفاءات بشرية، وقدرات مالية ولوجستية، وتأهيل معنوي وإعلامي أحيانًا. ما أكثر القرارات التي نحتاج إليها، والتي تتطلب قدرة على التعرف عليها، وجرأة في الإقدام على اتّخاذها، ومهارة في تنفيذها، فبدون هذه العناصر الثلاثة مجتمعة تظل قراراتنا عصيّة على الفهم، بعيدة عن متناول البت، ومتعثّرة في التنفيذ، ولينظر كل منكم حواليه ليرى ما الذي ينقص قرارًا ما يحتاج إليه وطنه، أو مجتمعه من هذه العناصر، فبدون إدراك ذلك يبقى حديثنا عن القرار منقوصًا.. ورحم الله غازي القصيبي، فلقد كان عملاقًا بمختلف المعاني والأبعاد.