فهد عامر الأحمدي - الرياض السعودية لست خبيرا في شؤون القضاء والتشريع ولكنني أعرف الفرق بين المبدأ الأخلاقي والقانون التشريعي. ف(المبدأ) الأخلاقي مثل أعلى وتوجه نبيل وغاية مطلقة يتفق عليها الجميع، وإن كان لا يتمتع بسلطة التشريع وقوة القانون. أما (القانون) فتشريع مُلزم يستمد من المبدأ ذاته ويصدر من سلطة رسمية بحيث يتساوى أمامه الجميع.. حتى من لا يقتنعون به. فالعدالة والحرية والمساواة (مثلا) مبادئ سامية ومطلقة تشترك في تقديرها كافة الشعوب والثقافات. أما القوانين فتشريعات محلية تستنبط من هذه المبادئ لتفعيلها بين الناس وتحقيقها على أرض الواقع. وهكذا تتفق كافة المجتمعات حول المبادئ الأخلاقية ذاتها (فجميع الأمم ترغب بالعدالة والحرية والمساواة؟) ولكنها تتفاوت في قدرتها على صياغتها كأنظمة وتفعيلها كقوانين تمنع الظلم وتفشي الجور. وحين تتأمل ديننا الحنيف تكتشف أننا لا نعاني من نقص في المبادئ الراقية - بل وسبقنا كافة المجتمعات في التعرف عليها - ولكننا نعاني من نقص شديد في سن القوانين التي تفعلها وتطبقها على أرض الواقع.. فكثير من الآيات القرآنية والتوجيهات النبوية ترسخ لمبادئ سامية (يمكن من خلالها) استنباط قوانين مكتوبة وأنظمة ملزمة.. أما الاكتفاء بحفظها كنصوص وتداولها كأفكار فيعني الاحتفاظ بها ضمن إطارها التنظيري (وتجاوزها حين تصطدم بمصلحة كل انسان على حده). فالآيات والأحاديث تبقى مبادئ نظرية وأفكارا مثالية ما لم نعمل على تطبيقها وتحويلها إلى قوانين تشريعية تدعمها سلطة رسمية، وجاء في الاثر عن عثمان رضي الله عنه (إنّ اللهُ يَزَع بالسلطَان مَا لا يَزع بالقرآن)!! ولشرح الفرق بين "المبدأ" وأهمية تحوله إلى "قانون" خذ كمثال قول الرسول الكريم (النساء شقائق الرجال) الذي يعد مبدأً عظيماً في المساواة بين الجنسين يُفترض من خلاله - وبناء عليه - إصدار قانون يلغي أي أنظمة وإجراءات تفرق بين الجنسين أو تحد من حقوق وواجبات المرأة لمجرد أنها أنثى. وخذ كمثال آخر قوله تعالى (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا) الذي يتضمن مبدأً مهماً في حفظ خصوصية الناس ومنع التجسس عليهم أو ترصد أخطائهم.. وهذا المبدأ يسانده نص آخر يقول فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم (من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه).. وبناء عليه يُفترض سن قانون يُجرم التجسس على المواطنين أو مراقبتهم والتلصص عليهم من قبل أي جهاز أو جهة رسمية!! أيضا هناك آيات كثيرة تشير الى حق الآخرين في اختيار دياناتهم والبقاء على معتقداتهم مثل قوله تعالى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ)، وقوله لعتاة قريش (لكم دينكم ولي دين)، وقوله تعالى (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ)، وقوله تعالى (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر)، بل وصل الأمر الى حد لوم النبي الكريم وتذكيره بناموس كوني مفاده (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).. وجميعها مبادئ سبقنا بها منظمات حقوق الانسان وتشريعاتها الحديثة. .. على أي حال للحديث بقية.. وحتى موعد مقالنا التالي؛ لاحظ أنني لم أجب على السؤال الذي عنونت به المقال كي أترك لك فرصة التفكير والتوصل لقناعتك بنفسك..