للأسف، خلال الأيام الماضية تحولت السعودية في الإعلام المصري «المشحون» إلى سلعة رخيصة في سوق للمزايدة والابتزاز السياسي، بسبب قضية محامٍ ثبت تورطه بجلب أقراص مخدرة محرمة دولياً، واعترف بها وصور مع المضبوطات. هناك من وجد في القضية فرصة للنيل من السعودية واستغلال الحدث، لتحقيق أهداف سياسية «مكذوبة» تحت عناوين الثورة والكرامة، ولا سيما من حركة «6 أبريل» وبعض «الإخوان» وبقايا اليساريين «المتهالكين»! أبلغت السعودية الأشقاء المصريين بأن ليس على مواطنهم أو محاميهم المحملة حقائبه بأقراص مخدرة أية أحكام مسبقة. وقالت لهم ليس في القضاء السعودي تهمة تسمى «سب الذات الملكية» مثلما كان في عهد الملك فاروق في مصر. وقالت لهم ليس على المحامي حكم غيابي بالسجن والجلد مثلما زعم. وقيل لهم إن أحمد الجيزاوي جاء إلى العمرة وحقائبه مكتظة ب21 ألف قرص مخدر «زينكيس» مخبأة بخبث في علب حليب «جهينة» وحافظات مصاحف، وردوا بأن البيان «ما يخلصش وما يهمناش»! ثم رقصوا في حفلة ردح، بمبرر أن البيان قال إنها في علب حليب مجفف و«ما شفناش إلا حليب سائل». خرج لهم قنصل بلادهم في جدة وقال إنه التقى الجيزاوي «وبيتعامل كويس» واعترف بجلب المخدر، في مقابل مكافأة عمرة من شركة يتعامل معها في السعودية و«ما يعرفش إنها ممنوعة»، وقالوا «ده مهاترات - ما تنفعش ومش حنصدقها». خرج لهم سفير بلادهم وتحدث بلغة واعية، وحاول دحض أقاويل السفهاء وإشاعات الغوغاء، لكنهم أصروا عليها، للضغط على المملكة لإخراجه فهو «ابن مصر حتى وإن كنش مخطئ»! أي منطق يتحدث به هؤلاء، وكأن الجيزاوي ملكوت من السماء. وتواصلت حفلات الشتم واللطم فخرج لهم قنصل مصر في جدة، وفنّد تهاويلهم ولم يقتنعوا. ثم تحدث لهم مستشار قانوني مصري مقيم في جدة وروى «كل الحكاية»، وقالوا: «مش الحقيقة»، واستمروا في الردح والقدح. المزايدة الرخيصة التي قام بها بعض المصريين «غير مقبولة»، ولا سيما بعد معرفتهم بتورط مواطنهم واعترافه صوتاً وصورة بما في حقائبه. يجب ألا تختطف روح مصر المتسامحة من «غوغاء»، بغية تحويل موجة الغضب الداخلية نحو السعودية وشعبها الذي يحتضن نحو مليون مصري يتعامل معهم السعوديون كما يتعاملون مع أبناء جلدتهم، حتى وإن تحدث أخطاء! أسهل أنواع الإعلام هو إعلام الردح، و«الإمبراطورية» الإعلامية السعودية قادرة على الرد على كل تخاريف ومهاترات تقال ضد بلادها وشعبها، بل قادرة على التسفيه ب«بلطجية» الإعلام والغوغاء والرعاع وفتح زناد الكلمة المؤثرة لحشر كلماتهم في حلوقهم، لكنها تراعي عمق علاقة البلدين وقيمة مصر الكبيرة، وتتحرى الصدقية من دون الالتفات إلى تفاهات المأزومين وشعارات الموتورين! مشكلة عندما يغيب الوعي وتحضر الكلمات الهابطة ومفردات التجريح في مسرحية ساقطة، جمهورها سفهاء ومخرجوها سقماء من رواد الفتنة والإسفاف. أحد هؤلاء يقول على قناة مصرية لا تتحدثوا عن رعايانا، ولو نقلوا المخدرات والمتفجرات حتى نسمع منهم، وللمصادفة أنه بعد القبض على الجيزاوي ب48 ساعة، أعلنت سلطات مطار القاهرة إلقاء القبض على مصري كان ينوي السفر إلى الرياض وبحوزته أقراص مخدرة أيضاً. كل من تابع بعض الوسائل الإعلامية المصرية، يصاب بحال غثيان من غياب الكلمة العاقلة والمسؤولة، إلا من ثلة قليلة. وللأسف، من بين الذين انبروا إلى شتم السعودية، إعلاميون قد عملوا فيها، وبعضهم لا يزال يعمل في مؤسسات إعلامية سعودية، وهو ما يفضح سوء نياتهم وأخلاقياتهم. ستقبل السعودية بأي نقد هادف مصون بالاحترام والصدقية، لكنها ترفض الابتزاز ومسالك «المأزومين» والمحرضين على فتح المطارات والموانئ للمجرمين والنشالين والمهربين ولو كانوا محامين! صبرت السعودية أياماً بانتظار اعتذار رسمي بعد أن طاول التشويه صورتها وشعبها وبعثتها وسفارتها، وطمست لوحتها وأنزل علمها وأحرق ونسجت الأكاذيب لبث فتنة وإشعال ضغينة، فيما المجلس العسكري ظل «متفرجاً» ما استدعى الرياض إلى استدعاء سفيرها وإغلاق سفارتها وقنصلياتها في مصر. تعلم الرياض أن العلاقة مع مصر مصيرية واستراتيجية، وستعود المياه إلى مجاريها قريباً. القرار السعودي ليس عدائياً أو استعدائياً بل احترازي، وإيصال السلطات المصرية رسالة مفادها «لقد فاض بي ومليت» و«للصبر حدود»! ومثلما أن كرامة المصريين يراد لها أن تبقى «محفوظة» فكرامة غيرهم ليست «مهدرة»، والجميع سواسية. أعتقد بأن اتصال المشير طنطاوي بالعاهل السعودي أطفأ كثيراً من الأحزان والنيران، لكن على مصر إصلاح العطب وترميم الفجوة وتوفير الحماية للبعثة الديبلوماسية، وتقديم المعتدين على السفارة للمحاكمة، وكبح جماح من يحاولون إشعال الفتنة وتقزيم السعودية وشعبها! الأكيد أن القرار السعودي كان ضرورياً ووجد ترحيباً شعبياً كبيراً، لكن لا يجب الانجرار الإعلامي وراء أفعال السفهاء والغوغائيين والخبثاء، الذين يريدون بأفعالهم إيقاع الشر بين بلدين شقيقين كبيرين في لحظات عصيبة من تاريخ العالم العربي وعابرة في علاقات البلدين. والحقيقة أن المصريين «عاطفيون» ويحبون السعودية مثلما السعوديون يرون في مصر دولة شقيقة وكبيرة وغالية أووووي.