بدر بن محمد الراجحي - الجزيرة السعودية الطلاق مشكلة اجتماعية تعاني منها كافة المجتمعات بنسب متفاوتة، وله آثار سلبية اجتماعية نفسية على الأطفال قد تصل إلى الجريمة والاضطرابات النفسية والسلوك المنحرف. وفي المملكة ارتفعت نسبة الطلاق بشكل ملحوظ، يعزوه بعض المختصين إلى سرعة وتيرة التغيرات التي يمر بها المجتمع، وزيادة الضغوط النفسية، مما أدى إلى زيادة حالات الطلاق إلى درجة مقلقة، حيث وصلت نسبة الطلاق إلى أن نحو 32% من حالات الزواج تنتهي بالطلاق، مع ملاحظة أن هذه النسبة تقريبية فلا يوجد إحصائيات دقيقة بهذا الشأن. وعلى أية حال فإنها نسبة كبيرة وتثير القلق نظراً لتبعاتها السلبية على النسيج الأسري الاجتماعي، فالأسرة هي خلية أساسية في بناء المجتمع وإذا اختلت فلها تبعات سلبية عديدة على حاضر ومستقبل البناء الاجتماعي. واللافت أن العديد من المجتمعات تعاني من زيادة معدلات الطلاق، ففي ماليزيا حيث زادت معدلات الطلاق إلى 31% عمدت الحكومة الماليزية إلى فرض اجتياز دورة توعوية عن الزواج على كل من يرغب الزواج لمدة أسبوعين، تهدف إلى توعية وتثقيف زوج وزوجة المستقبل بماهية الزواج وأبعاده، وتهيئة الراغب والراغبة في الزواج ذهنياً ونفسياً ومعنوياً للدخول في هذه التجربة الجديدة، سعياً للحد من زيادة هذه الظاهرة.وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة الطلاق في ماليزيا قد انخفضت بعد إقرار هذه الدورة الإلزامية، حيث انخفضت من 31% إلى نحو 18%. وفي ماليزيا أيضاً تم إصدار قانون بعدم البت في أية قضية طلاق حتى تُحال إلى مكتب دراسات اجتماعية متخصص لدراسة الحالة وتقييمها بشكل مهني وعلمي، ومن ثم العمل على إقناع الزوجين بأهمية استمرار العلاقة الزوجية وأهمية ذلك للأطفال، وبعد ذلك يتم إبلاغ المحكمة بخلاصة الرأي المتخصص للأخصائي الاجتماعي.وما أحوجنا في المملكة أن نحذو حذو ماليزيا في هذا الشأن، بأن يتم شرط اجتياز كل راغب وراغبة في الزواج دورة إجبارية متخصصة عن الزواج وماهيته ومفاهيمه وواجباته وحقوقه وأبعاده، وأن تقوم بذلك مكاتب متخصصة مرخَّص لها بإذن من الجهات الرسمية بعد استيفائها لشروط ومعايير خاصة.كما أن سنّ نظام بأن لا تبت المحكمة في قضايا الطلاق إلاّ بعد الرجوع إلى مكاتب للدراسات الاجتماعية المتخصصة سوف يسهم، بإذن الله، في الحد من انتشار الطلاق، فالأخصائي أو الأخصائية الاجتماعية -وبحكم التخصص- يستطيع أن يقرِّب من وجهات النظر ويجسّر الفجوة بين الطرفين، وهذا معمول به في العديد من الدول حيث إن مكاتب الخدمات الأسرية، ومن بينها الخدمات الاستشارية الزوجية تقوم بدور لافت في حل قضايا الخلافات الزوجية، وبالتالي المحافظةلى تماسك الأسرة وعدم تشتُّت الأطفال الذين غالباً هم الضحية الأولى للطلاق.وأدعو الجهات ذات العلاقة كوزارة العدل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، بدراسة هذين المقترحين تمهيداً لتطبيقهما، لعلهما يُسهمان في الحد من نسبة الطلاق في المجتمع السعودي، ولتفادي آثار وأبعاد الطلاق على الأسرة، والتي تعد نواة وعماد المجتمع، وسعياً إلى تكوين مجتمع سليم نفسياً وسلوكياً لأجيال الغد.