(كان ) الإسلاميون في السعودية إلى وقت قريب كتلة واحدة في مواجهة التيارات الليبرالية والعلمانية، بل وحتى الموقف من الفرق الإسلامية الاخرى وبالخصوص (الشيعة )، إلا أن الأيام الأخيرة حملت الكثير من التراشق والتخوين بل والتفسيق والتبديع، إن لم تصل إلى التكفير ! هذا الانقسام الحاد والسريع والتصاعدي كشف عنه حدث اعتبرة بعض الاسلاميين مستفزاء واقصائيا وذو اجندة علمناية ! بينما رأى الطرف الاخر انه عادي وبسيط كان يمكن ان يمر مرور الكرام لولا ان طيفا من التيار الاسلامي اردا خلاف ذلك من خلال التصعيد، هذا الحدث هو ملتقى النهضة المنعقد في الكويت تحت شعار (المجتمع المدني ..الوسيلة والغاية) والذي ذيل بإشراف الشيخ سلمان العودة ، والملاحظ أن الملتقى منذ أن تم الاعلان عنه وهو في ردود فعل تصاعدية وغريبة على التيار الاسلامي الذي لأول مرة يصعد بهذه اللهجة ويستهدف شخصية كبيرة مثل الشيخ سلمان العودة ! فما هي الحكاية وما سبب هذا التصعيد ؟ سوف أحاول أن أجيب على هذا التساؤل بقدر ما أستطيع، لعل البداية كانت حنق من قبل بعض قيادات التيار الإسلامي السعودي العام الذين لم يجدوا في هذا التيار ما يدعوا الى مناصرته أو حتى السكوت عنه، فالأسماء الرئيسة لا يمثل أي منها التيار الاسلامي الصحوي بكل أطيافه، فمن عشرة متحدثين رئيسيين لا ينتسب منهم الا اثنين احدهم ليس له صلة مباشرة ولا قبول في التيار الاسلامي لاسيما بعد كلامة عن سيادة الأمة الأمر الذي جعل بعض الإسلاميين يتهمه بالعلمانية رغم تخصصه الشرعي وتصريحه بإيمانه بالفكرة الإسلامية إلا أن ذلك لم يشفع له نتيجة كتاباته التي عدها بعظهم أنها مستفزة وهو الباحث عبدالله المالكي. والآخر هو الدكتور مسفر القحطاني وهو شخصية معروفة على مستوى المنطقة الشرقية والمملكة بل والخليج العربي من خلال كتاباته وأطروحاته المتزنة لكنه لا يحظى بقبول شعبي جماهيري يشفع للملتقى إبرازه كشخصية اسلامية، أما البقية فيرى الكثير انها شخصيات ليبرالية وعلمانية وهذا يعني أن المؤتمر يحمل صبغة غير إسلامية وإن أشرف عليه الشيخ سلمان العودة، فهو مؤتمر سياسي لا علاقة للإسلاميين فيه، لذا فإن النقد موجه إلى الافكار وليس إلى الأشخاص بحسب رأي البعض، وبما أن الاشخاص رضوا بأن يكون مسؤولين عن هذا الملتقى فعليهم أن يتحملوا النقد كما كانوا يوسعون غيرهم بالنقد سابقا ! أما الناحية الأخرى للمعارضين فهي أن الملتقى استقطب شخصيات مناهضة للفكرة الاسلامية والفكر السلفي تحديدا من أمثال المفكر الشيعي الدكتور توفيق السيف والكاتب السياسي الدكتور شفيق الغبرا بالإضافة إلى شخصيات نسائية يرى الإسلاميون أنها متحررة وتدعوا الى سفور المرأة وهي هالة الدوسري . نقطة ثالثة وهامة وهي ان التيار الصحوي الذي هاجم الملتقى لدية حساسية مفرطة من مصطلحات مثل ( النهضة والحرية ) الشيخ ناصر العمر غرد معلقا على ملتقى النهضة فقال: (إن مقدمي أوراق(ملتقى النهضة بالكويت):رافضي وليبرالي وعلماني، فأي نهضة للأمة يقدمها أمثال هؤلاء، ولم ينهضوا بأنفسهم، بل هم من(أسوء)من خذلها). الباحث الشرعي الشيخ إبراهيم السكران برر موقفه من الملتقى بأنه شرعي وغرد: (لنهي عن منكرات الانحراف الفكري ليس لهشاشة الدين بل لمطلب حضور الدين وهيمنته "ليظهره على الدين كله"). الامر تطور بشكل سريع حينما صدر بيان هو الاول من نوعة وهو (بيان من علماء السعودية بشأن ملتقى النهضة في الكويت) هذا البيان يذكرنا ببيانات كانت تصدر في التسعينات للتحذير من دعاة الصحوة حينها وكان من ضمن من شملتهم هذه البيانات بعض موقعي بيان السعودية وملتقى النهضة !وهذا يمكن ان يقودنا الى استنتاج ان المرحلة الراهنة مرحلة مخاض عسير على الحركة الاسلامية في السعودية لان صدور هذا البيان سوف يتبعه ما يتبعه بلا شك ،كما أن الامر يعني ان حبل الود الذي كان يربط بين التيارات الاسلامية المختلفة والمجاملة التي كانت تعني السكوت وتقدير مسائل الخلاف قد انتهى وان مرحلة الانكار الفكري قد بدئت بحسب رأي الشيخ ابراهيم السكران أما الطرف الاخر فيرى أنها حملة منظمة لإقصاء هذه الاسماء لمجرد الخلاف الفكري وأن الملتقى ليس ملتقىً دينياً حتى يكون المتحدثين فيه من الدعاة وإنما هو معني بالنهضة والنهضة مشترك إنساني تلتقي عليه كل الأديان والتيارات والفِرق، وهو الأمر الذي أحب القائمون على الملتقى استغلاله وجمع اطياف فكرية متعددة تحت سقف واحد . لكن يبقى أن هذا الشرخ الذي أحدثة ملتقى النهضة في صفوف الإسلاميين يعود إلى طبيعة الاحتقان الفكري التصاعدي الذي يصيب المجتمع السعودي منذ فترة، واشتعال معارك حقيقية وأخرى وهمية وثالثة غير مبررة! ولعل المتابع للحراك عبر مواقع التواصل الاجتماعي يدرك أن ثمة شيء غريباً في الأوساط الثقافية ربما هي مرحلة المخاض الفكري لتشكلات جديدة على الساحة الثقافية والدعوية ، الملتقى الصغير الذي احدث جلبة كبيرة ربما تؤثر على توازن القوى الفكرية في المجتمع السعودي وتؤسس لمرحلة جديدة تعيد الى الاذهان مرحلة التسعينات والتصنيفات القطبية والجامية التي كانت تأكل كل شي حينها ، لكننا سنشاهدها هذه المرة من ذات التيارات الحركية وبلغة مختلفة في صياغتها كلاسيكية في نتائجها .