الصورة «الرومانسية» لما عُرف ب»الربيع العربي» من ناحية سقوط أنظمةٍ على أيدي الشعوب بدأت تتضاءل، بعد أن صارت صور الدماء تهيمن على المشهد. الأحلام الوردية تضاءلت. صور الدماء والأشلاء نحّت العاطفة قليلاً وبدأت بتحكيم العقل. الذي يجري في ليبيا وسواها من المناطق المتوترة جعل من الصورة الثورة تقترب إلى الدراما أكثر من الرومانسية العالية. غير أن بعض التنظيمات الحركية تحاول أن تبقي على التوترات القائمة، بل وجذبها إلى دول الخليج. سمعنا قبل أيام تصريحاتٍ لأحد القياديين في جماعة الإخوان وهو يتحدث عن دولةٍ خليجية متدخلاً بشؤونها. وذهب يلقي المحاضرات عن المواطنة والعلاقة بين الحاكم والمحكوم. ويبدو من نبرة صوته والكلمات والمفردات التي اختارها أنه يتمنّى لدول الخليج نفس الذي يجري في أماكن متوترةٍ أخرى. راهنت القوى الحركية على محاولاتٍ فشلتْ ووئدت في مهدها، سواء من دعوات التظاهر، أو الاعتصام، أو حتى الإضراب عن الطعام، كلها وسائل فشلت، ذلك أن الخليج منطقة لم تعرف القلق الأيديولوجي الحاد الذي عاشتْه الدول العربية الأخرى كمصر والعراق وغيرهما، بل الخليج عاش من كسب يده. وحين كان الخليج مقفراً من كل وسائل العيش وسبل الترف لم يقف معه إلا بعض الدول القليلة، وحين تحسّن اقتصاد الخليج باكتشاف النفط ذاق العرب كلهم من خير النفط ومن كرم الخليج. ولم تكن دول الخليج لتتدخل في مصير الدول أو مصالح وخيارات الشعوب، فلا مجال للمزايدة على دول الخليج بالعدالة أو توزيع الثروة، فهذه المسائل تناقش بين الشعوب الخليجية وفقاً للأساليب المدنية، لا أن تطرح من رموزٍ حركية تتمنى للخليج أن يصل إلى ما وصلت إليه ليبيا وأفغانستان والصومال. تحاول جماعات الإسلام السياسي استنهاض أنصارها في دول الخليج للتجييش الشعبي، مقترحةً عليهم استغلال أي خطأٍ يحدث للتحريض السياسي. حاول الكثير من أتباع الحركات أن يحرضوا المجتمعات الخليجية ضد الحكومات معتمدين على أخطاء تحدث في أي دولة، إذ سرعان ما ينفخون بالحدث الصغير البسيط مهما كان تافهاً ليكون مثار سجالٍ طويل، ويريدون بكل وسائلهم أن يربطوا أي خللٍ تقني، أو تقصيرٍ حكومي بالسياسة حتى يتسنّى لهم إثارة الفوضى التي يتمنونها. وقد وجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي أفضل وسيلةٍ وطريقةٍ للتعبير عن الذي يختلج في صدورهم من طموحاتٍ سياسية، ويتبين الطموح السياسي لهم من خلال فلتات اللسان، أو الكلمات التي لم يحسبوها جيداً فيتضح المشروع السياسي الذي يُغطّى بإطارٍ إسلامي بهدف جمع الناس على آرائهم، وإقناع البسطاء بأن ما يقومون به هو الحق والخير، وأن ما يقوم به السياسي هو الضلال المبين، ورغم كل جهدهم الكبير غير أن كل ما بذلوه لم ينجز لهم أي مشروعٍ سياسي في الخليج. لا يفهم بعض من يطرح الخطابات الأممية أن الشعوب الخليجية تعتمد على الخطاب المحلي المدني، لا الخطاب الأممي الحركي الذي نبت في حقول جماعة الإخوان المسلمين. ولم يفهموا أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الخليج قائمة على مبدأ البيعة، وهذا المبدأ نابع من «سوسيولوجيا المجتمعات الخليجية» حيث قامت الدول على تحالفٍ بين القبيلة والملك أو الأمير بهدف هزيمة الجوع، والبحث عن المأوى، وترسيخ الاقتصاد، إلى أن اكتشف النفط وتوثقت الصلة بين الحاكم والمحكوم. لهذا السبب فإن الشعب بالجيل الحالي وبالآباء والأجداد حاضر في الخطب الملكية، ذلك أن الآباء والأجداد كانوا جنوداً مع الملوك والأمراء من أجل تأسيس الدول في الخليج وهزيمة قطاع الطرق والجماعات المسلحة والظالمة. إن البيعة هي المبدأ الذي يحكم بالخليج وعليه قامت الدول، وبعض الحركيين يريدون من شعوب الخليج أن تبايع مرشد جماعة الإخوان من أجل إثبات صحة عقيدتهم، ولمّا يعلموا أن الشعوب الخليجية متدينة بالفطرة قبل أن تولد جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات. لن يستطيع رموز أي جماعةٍ أن ينالوا من وحدة الخليج، حتى وإن هاجم هذا الرمز أو ذاك دولة خليجية، أو تطاول بعض كوادر جماعة الإخوان على السعودية أو غيرها، لن يستطيعوا فك الوحدة الشعبية، وهذا أثبتته الأحداث التي مررنا بها وهي أكبر برهان. فلا يغرّنكم هذا التصعيد الإخواني ضد الخليج، لأنه تصعيد المفلسين الخائبين..