قبل أيام كتبت إحدى المثقفات من لبنان مقالا عنوانه «السائح الثقافي» كانت تتحدث فيه عن السائح السعودي تحديدا، قائلة إنه إذا كانت الصورة النمطية عنه هي السهر ليلا والنوم نهارا، وإن اهتمامه منصب على زيارة مرابع الليل وأماكن التسوق، فإن هناك صورة أخرى لنموذج آخر هو السائح الذي يقتطع جزءا كبيرا من وقته في البحث عن مصادر المعرفة والثقافة، ويمنح القراءة اهتماما خاصا، ولأن الكاتبة تشتغل في صناعة الكتاب والنشر فإنها أكدت رأيها بعدد الكتب التي يقتنيها السعوديون من مكتبات لبنان، كبارا وصغارا، رجالا ونساء.. هذه الشهادة تمثل حقيقة الواقع الذي يعيشه المجتمع السعودي الجديد، أي مجتمع المرحلة الجديدة بكل ما فيها من متغيرات وما لها من متطلبات تتوجب الاستزادة من المعرفة، وإذا كانت إحصاءات محركات البحث في شبكة الإنترنت تركز على نسبة السعوديين الذين يرتادون المواقع المشبوهة أخلاقيا فإنها لا تهتم كثيرا بإظهار إحصائية مرتادي المكتبات الإلكترونية والمواقع العلمية والثقافية.. يوم أمس كان التدفق على معرض الرياض للكتاب كثيفا حتى إن الممرات لم تتسع لحركة الباحثين عن الكتاب، وهذه حقيقة وليست مبالغة، ولقد تابعت خلال الشهور الماضية نسبة الحضور في أكثر من معرض كتاب في دول عربية تبدأ بحضور كثيف لكنه ينحسر تدريجيا ليصل إلى حد ضئيل في الأيام الأخيرة، بينما ما يحدث في معرض الرياض هو العكس إذ أن الحضور يستمر في التزايد ليبلغ ذروته في النهاية، ولا أدل من ذلك على نهم القارئ السعودي، وعطشه إلى التنوير والانفتاح على آفاق الثقافة ومنتجاتها في كل مكان.. ولهذه الأسباب فإننا نتمنى أن يلاحظ المسؤولون عن التربية والتعليم هذه الظاهرة ليفكروا جيدا في إعادة النظر تجاه المكتبات المدرسية التي كانت في الماضي أفضل كثيرا من الحاضر رغم تواضع الإمكانات آنذاك، عليهم التفكير جيدا في تنمية حب القراءة في المرحلة المبكرة، لأن الجيل السعودي الجديد هو جيل المعرفة.