ناصر الصِرامي - الجزيرة السعودية أصبح معرض الكتاب السنوي الذي تحتضنه العاصمة الرياض اليوم، حدثاً ثقافياً بارزاً على الساحة الإقليمية والعربية. نعم، هو الآن الأبرز على الساحة العربية، واسألوا الناشرين الذين يتطلعون، بل يتوقون من أجل الحصول على مساحة للمشاركة والحضور، وبحسب أكثر من ناشر فإن حجم المبيعات التي يحققونها في معرض الرياض تتفوّق على كل مشاركاتهم في معارض الكتب الإقليمية مجتمعة. ماذا يعني ذلك؟ يعني وجود نهم كبير وحاضر للكتاب بتنوّع اهتماماته، هنا جمهور يقرأ ويقتني الكتب بشكل واضح، واسألوا - أيضاً- المكتبات التقليدية في بيروت والقاهرة وحتى دبي، ستكتشفون أن السائح السعودي هو الزبون الأبرز. ومهما تواضع رقم المطبوع مقارنة بالغرب تحديداً، إلا أن السعودية في صدارة الدول العربية في اقتناء الكتاب بمحتواه المختلف، واتجاهاته الأدبية والفكرية والفلسفية والسياسية والتاريخية والتراثية، وطبعاً الدينية المتفاوتة، وهو حكم أو استنتاج ناتج عن ملاحظة مستمرة، وتصريحات للناشرين أنفسهم. ولنتذكّر قبل سنوات قريبة حين كنا نهرّب الكتب تحت الملابس من أجل أن لا يكتشفها موظف الجمارك! حينها لم يكن التسامح قد وصل للكتاب، أو لنقل لعناوين الكتب كما هو الآن. لكن تلك المحاصرة تجاوزناها إلى حد كبير واكتشفنا ضعفها وعجزها أمام التدفق الهائل للمعلومات عبر شبكة الإنترنت ونمو محتواها وتطور تقنياتها المستمر بلا توقف، ثم دخول النشر الإلكتروني والكتاب الإلكتروني على الخط بنحو متصاعد. ولو منعت الكتب التي يطلبها القراء، ويبحث عنها المثقفون وغيرهم في معرض الكتاب مثلاً، ستكون مثل من يحجب الشمس ب(منخل)، فالوضع تغيَّر والعالم انفتح إلى غير رجعة، فيما التقنية تواصل مسيرة فتوحاتها إلى أبعد مدى. والطريقة التي كانت تهرَّب بها الكتب تحت المعطف في أوروبا بالقرن السابع عشر الميلادي، لم نعد بحاجة إليها، أو إلى مطبعة سرية وناشر مجهول، فالنشر الإلكتروني والثقافة الرقمية بكل إمكاناته، بل البريد الإلكتروني في أقل استخدماته أصبح فاعلاً بشكل قوي، حتى وإن عجز البعض عن تصور ذلك وفهمه واستيعابه. فما قيمة استرجاع حرب عناوين الكتاب التاريخية بتلك الصورة للفكر وحريته، أو حتى التردد في بعض العناوين المحايدة لأسباب متفاوتة، بعد أن أصبح الوصول إليها متاحاً في عصر الأنوار الإلكترونية. هذا المشهد الثقافي المهم - معرض الكتاب- لا بد أن يسعدنا، بما يبرزه من رغبة كبيرة في الاطلاع وتنوّع مصادر المعارف، حيث لم يعد بالإمكان بناء أجيال قوية وراسخة في معرفتها وتأسيسها عبر التلقين وتفصيل الكتب والعناوين المناسبة لها بالنيابة.