مصطلح الليبرالية يمكن اختزاله في قيمته النهائية، وهي في أبسط معانيها «الحرية والعدالة والمساواة»، التي اختلفت وسائل الوصول إليها؛ وتحقق هذه القيمة لا يشترط نظاما بعينه كنموذج، بل هي قيمة يمكن احتواؤها وإعادة تأسيسها عبر نفس مكونات المجتمع بنظمه وثقافته الإسلامية التي في أصولها ما يحقق هذه القيمة دون الرجوع لأي نماذج أخرى. الليبرالية انفكت عن معناها نتيجة الجدل الذي يحدث بين منظريها حول صلاحيتها وإمكانية تطبيقها في المجتمع، فكان الصدام حولها قاسيا ويبتعد عن ما يمكن للفكر أن يحققه من تنظير يؤسس لاستقبال أي مفهوم أو قيمة إيجابية بغض النظر عن أصلها ونظامها المؤسس لها في بداية الأمر. وأصبح مصطلح الليبرالية إما يمثل منشأه أو أشخاصه الذين يتبنونه، وكلا الأمرين وجد فيهما بعض المعارضين لليبرالية وسيلة لشحن الرأي العام بالرفض لهذا المصطلح مستدلين بما يوجد لدى ممثليه من أخطاء فردية أو لما يمثله منشؤه من ضد تاريخي وثقافي للإسلام. ونتيجة لخروج هذا المصطلح من سياق التنظير الفكري ثار الرعب الاجتماعي تجاهه وشاع استخدامه كتهمة لأي شخص غير ملتزم دينيا، ويكفي أن يرى الناس شخصا ترك شيئا من السنن المستحبة أو ارتكب مكروها كحلاقة الذقن أو سماع الأغاني؛ ليتهم بالليبرالية التي تبيح مهاجمته واتخاذ المواقف المتشددة تجاهه والتي قد تصل حد المطالبة بقتله، ونرى ذلك حاليا وبزخم كبير في مواقع التواصل الاجتماعي وانقسام الأطراف بين مؤيد ومعارض في تبادل للتهم والبيانات المشحونة بالإساءة والعنف. ومثل هذا يذكرني بخرافة «سبت الساحرات» التي شاعت في أوروبا إبان القرون الوسطى وكان نتيجتها انتشار ثقافة القتل ليصل عدد الضحايا البريئة للآلاف والذين تمت محاكمتهم شعبيا خارج المحاكم بعد تفشي حالة الرعب الاجتماعي من السحر والذي أصبح وسيلة أخرى لتصفية الحسابات الشخصية. وإذا لم يخرج صوت العقل لتهدئة هذه الحالة سيكون لدينا «سبت الليبراليين».