أنا ليبرالي... في الفترة الأخيرة كثُر من يدعى بأنه ليبرالي وأنه يرى الليبرالية الحل الأمثل لكل المشاكل. مع إيمانى بأن أكثر من ينسبون أنفسهم لهذه الفئة ليسوا على دراية حقيقية بما يحمله هذا المصطلح من معاني في طياته. فإذا ما سألت أحدهم ما هو التعريف الحقيقي لليبرالية؟ لأعطاك كل منهم جواباً مختلفاً ولصمت آخرون وما أستطاعوا أن يجيبوا. وأذكر بالمناسبة موقف أحد الأصدقاء عندما خرج علينا في مجلسنا يوما من الأيام وقال \"أنا من اليوم وطالع ليبرالي\" فأختلفت ردود أفعالنا تجاهه فمنهم من إستغفر ومنهم من ضحك ومنهم قال أنا معك. ثم سألته أتعرف المعنى الحقيقي لليبرالي؟ فسكت قليلا ثم قال لا. قلت أتعرف ما الفرق بينها وبين العلماني؟ قال لا. قلت إذا كيف تنسب نفسك إلى فئة وأنت لا تعرف ما تتبناه من أفكار ومعتقدات ومبادئ. قال أنا ليبرالى لأني وجدت رجلا ، محنك ومتعلم ومثقف ، تستضيفه إحدى المحطات التلفزونية وقد إقترح هذا الرجل حلولا عدة لكل المشاكل السياسية ، والإقتصادية والإجتماعية وغيرها من المشاكل ، وقد أعجبت جدا بكل ما طرحه من حلول و أهداف إلا أنه قال في نهاية الحلقة بأنه ليبرالي ، فقلت في نفسي- الصديق- إذا كانت هذه نظريات و أهداف الليبراليين إذا أنا ليبرالي. وطالما أننا بصدد تعريف مصطلح هو فى الأصل غربي فإنه من الأجدى بنا الرجوع إلى الكتب والمراجع الغربية لنعرف كيف يعرفوا هم هذا المصطلح. و يشار هنا إلى أنه لا يمكن لنا فى هذه الحالات أن نرجع إلى كتبنا ومراجعنا وعقولنا لنعطى معناً لمصطلح هو في الأصل غربي حيث أنهم هم من أوجدوه وتبنوه وسوقوه ، وإلاّ فإن تفسيراتنا سوف توصلنا إلى معاني مغلوطة بعيدة عن المعنى الحقيقي الذي من أجله ولخدمته وجد هذا المصطلح. أما اللفظ نفسه فمأخوذ يعني الشخص الحر.liberal هي الحرية وliberalismوالليبرالية فى معناها العام من معتقدات ومبادئ مذهب الحرية ، وتدور محاور تعريفهم للمصطلح على أنه مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في السياسة والإقتصاد والعقيدة ، وينادي بقبول أفكار الغير وأفعاله ، حتى ولو كانت متعارضة مع أفكار المذهب وأفعاله. وجانبها السياسي يقوم على التعددية الإيدلوجية والتنظيمية الحزبية. أما جانبها الفكري فيقوم على الحرية في العقيدة ؛ أي حرية الإلحاد ، وكذلك حرية السلوك ؛ أي حرية التصرف المطلق بدون قيد ولا ضابط ، كالحق فى تغيير الجنس و الديانة. وبالعودة إلى ذلك الصديق ، فالظاهر بأن ما غاب عنه هو القدرة على التفرقة بين الأهداف والغايات التى يرمي إليها كل حزب وطائفة وبين الكيفية في الوصول لهذه الغايات والأهداف. فأغلب الأحزاب والطوائف تتشابه مع غيرها في الرغبة لتحقيق الرخاء والرقي والتطور والإزدهار والعدالة والحرية وغيرها من الأهداف.... إلاّ أن كل من هذه الأحزاب والطوائف له منهجا خاصا و طريقا مختلفا يسعى من خلاله إلى الوصول إلى نفس الأهداف والغايات. فكل مجتمع يكاد لا يخلو من الليبراليين والعلمانيين والديمقراطيين والشيوعيين والرأسماليين والبيروقراطيين والقوميين وغيرهم من الطوائف والجماعات والتى يسعى منسوبوا كل منهم أن يصل إلى نفس الأهداف ولكن من وجهة نظر أخرى. بمعنى آخر ، فلو سمع ذلك الصديق أهداف طائفة أخرى غير الليبرالية المنتسب إليها ذلك الضيف في ذلك البرنامج التليفزيوني ، لوجد على الأرجح بأن نفس الأهداف والحلول هى محور النقاش وذلك لأن الكل يسعى إليها ، لكن كيفية الوصول إليها تظل نقطة الخلاف ما بين أي جماعة وأخرى. ولذلك فيمكن لنا أن نتفق معهم فى بعض تلك الأهداف والغايات ولكن لا نتفق معهم في الوسيلة والمنهج ولا المعتقد للوصول لتلك الأهداف والغايات ، وهنا ينطبق المثل المعروف \"الغاية لا تبرر الوسيلة\". وما بقيت إلا طائفة وجماعة أخيرة ، مختلفة عن باقى الطوائف والجماعات ، فهى صاحبة المنهج السليم والوسيلة الصحيحة وهى التى تحمل في أروقتها ليس فقط أفكارا ومعتقدات ومبادئ صحيحة بل وأهداف وغايات أسمى وأرقى من تلك التى رمت إليها الطوائف الأخرى. وذلك لأن هذه الطائفة والجماعة إختارت لنفسها منهجا وطريقا مختلفا ميزها عن باقى الطوائف والأحزاب. فكل تلك الطوائف والأحزاب تشترك مع بعضها فى أنها من صنع البشر وكذلك الحال لأفكارها ومعتقداتها فما هى إلا نتائج لعقول بشر ، لذلك فإن منها من فضل مصلحة الفرد على الجماعة ومنها من جعل الحريات مطلقة من غير ضابط ولا مراقب. أما هذه الطائفة المختلفة فهى متميزه عن باقى الطوائف والأحزاب فى أنها تأخذ المنهج الإلهي كدستور في معتقداتها وأفكارها وأهدافها، إيمانا منها بأن الإله هو وحده القادر على وضع ذلك المنهج السوى السليم الذى ضبط الحريات وفضل مصلحة الجماعة على الفرد وأعطى كل ذي حق حقه وبين المسؤوليات وحدد الصلاحيات ووضع قانون الحساب والعقاب وما ترك جانبا من جوانب الحياة إلا ونظمه ومنهجه بحيث يكون كفيلا بأن يحقق كل الأهداف التى يسعى إليها الغير بل وأكثر إن طبق بحذافيره ، ألا وهو المنهج الإسلامى. الغريب في الأمر أن هناك أناس بدؤوا في تغيير مفهوم الليبرالية الحقيقي فى محاولة لتلميعها وتنظيفها حتى تصبح في شكل جديد يمكن تقبله بين أفراد المجتمع المسلم. فوصفوها بأوصاف غير وصفها الحقيقي وأظهروها فى ثوب غير ثوبها الحقيقى حتى ألبسوا على الناس معناها الحقيقي. فمنهم من قال أن الليبرالية لا تتعارض مع الإسلام ومنهم من قال أن هناك ليبرالية تتخذ من الوسطية منهجا في شؤون الحياة ومنهم من قال أن هناك ليبرالية معتدلة وإلى غيرها من التعديلات والتغييرات المدخلة على صورة الليبرالية الحقيقية حتى يتم الإعتراف بها ومن ثم قبولها من قبل المجتمع المسلم. والحل الأمثل لرد هذه المحاولات التلميعيية لليبرالية هو المعرفة الجيدة بالمعنى الحقيقى لها والقراءة عن مدى فشلها الذريع فى تلك المجتمعات التى تبنتها وكيف أنها عادت عليها بالأضرار الإجتماعية والأسرية والنفسية أكثر من جلبها لأي مصلحة، ولنا فى التفكك الأسري والإنحلال الأخلاقي وإنتشار الشواذ بين تلك المجتمعات خير دليل....... فهل بعد أن تبين معناها الحقيقي وظهرت سلبيات تطبيقها من يواصل القول \"أنا ليبرالي\"؟؟؟ محمود حمزة المدني طالب دكتوراه في القانون مانشستر - بريطانيا [email protected]