قبل أول قدم تدلف من باب معرض الرياض الدولي للكتاب صباحا، وبعد أن تخرج آخر قدم قرب منتصف الليل، وهؤلاء الجند المجهولون يتسمرون واقفين خلف كاميراتهم وآخرون منهم يزاحمون بالمناكب الجموع وهم يحملون الأثقال على أكتافهم الصغيرة. كانت هذه أبرز المشاهد التي رأيتها عشرات المرات في حوالي 4 أيام قضيتها العام المنصرم في معرض الرياض للكتاب. هم ليسوا بحاجة إلى أن يقولوا لك نحن فريق القناة "الثقافية" السعودية، فالزي الرسمي شبه الموحد لهم والشعارات التي تحملها كاميراتهم هي فقط من يتكلم. يتحملون نظرات العبوس وربما تعمد البعض تعطيل مهمتهم في نقل الواقع كما هو. يقفون بهدوء متأملين علامات القلق التي ترتسم على وجوه مذيعي أستوديو البث المباشر، فسعادة الضيف المثقف والكاتب الكبير لم يأت بعد لينثر درره على المشاهدين، وعلى الرغم من أنه قطع وعدا جازما بأنه سيحضر قبل نصف ساعة على الأقل، وربما ألمح بأنه لا يرغب أن يشاركه أحد من "أنصاف المثقفين" حسب تعبيره في ثرثرة ساعة ونصف لأنه "المثقف فقط"، ومع ذلك لم يبق على البث المباشر سوى بضع دقائق وسعادته لم يحضر بعد! وطبعا الأسباب كثيرة، وكيف لا تكون كثيرة جدا وهو "المثقف الأوحد" في البلد. ومن هذه الأسباب خلوده لغفوة امتدت لساعات، وربما خرج مع أحد الأصحاب القدماء في "تمشية" بأحد شوارع الرياض ونسي الموعد ولا أحد يلومه في النسيان فعقله "الكبير" لم يعد يحتمل من كثرة ما قرأ وما كتب! أما عقل المذيع المسكين فقد ذهب لأنه يبدو أنه سيخرج على الهواء دون ضيف. بالطبع، لا يمكن أن نقول إن عمل الزملاء في القناة الثقافية مرضيا لكل المتلقين فهو يحتاج إلى تطوير مستمر، ولكن مع ذلك أقول: يا من يسن الأقلام الحداد ضد هؤلاء الشباب المتحمس للعمل.. أعطوهم فرصة وانتقدوهم بموضوعية، وفوق ذلك قدروا التعب والجهد البدني والنفسي الذي يبذلونه، فلن يدرك حجم هذا الجهد وصعوبته إلا من اقترب من دهاليز الإعلام.