صالح الشهوان - الاقتصادية السعودية الاقتصاديون في دراستهم يُخضِعون معظم الأنشطة إلى معايير اقتصادية كمية تقيس حجم ونسبة إسهام نشاط بعينه في مجمل الناتج الوطني، لذلك تقرأ عن نسبة إسهام الصناعة، الزراعة، وغيرهما وما يشكله القطاع من قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، كما تبين الدراسات المعدلات والحجوم ويتم تصنيفها تراتبياً في الجداول وتوضيحها بالرسوم البيانية بحيث يمكن، بمجرد نظرة إليها، معرفة كل ذلك. لكننا رغم الوتيرة المتعالية للحديث عن اقتصاد المعرفة لا نعثر بالمطلق على أي أثر يتصل بعلاقة القطاع الثقافي بالاقتصاد لا في تقاريرنا الاقتصادية أو في البحوث والدراسات أو النشرات الإحصائية ولا في أوراق عمل الندوات والمقالات فلا وجود له، لا من حيث وزن القطاع الثقافي وحجمه ولا نسبة إسهامه في الناتج الوطني الإجمالي أو ترتيبه، بل ولا حتى فيما يتم إجماله في مكونات القطاع غير النفطي. إن للاقتصاد الثقافي إسهاما مهما في الدخول القومية، .. وغني عن القول أن هناك مكونين رئيسيين للاقتصاد الثقافي الأول: صناعة الثقافة التي تعني الإنتاج الثقافي: (كتاب، لوحة، برنامج، سينما، مسرح، نحت، موسيقى ترويح، طبخ، أزياء، عطور... إلخ)، أما الآخر فهو الصناعات الثقافية؛ أي: المواد التي تستخدم كوسائل لإنتاج الثقافة والفنون (ورق وقرطاسيات، أجهزة الطباعة، أقلام وأحبار، أدوات هندسة، وتوضيح مدرسي، آلات موسيقية، أصباغ الرسم والطلاء، الأسطوانات والأقراص، الأقلام الخام وموادها، الأجهزة السمعية، البصرية، التصويرية، الإلكترونية... إلخ) ومع أن التعليم والسياحة يشتبكان أشد الاشتباك مع الثقافة إلا أن لكل منهما موارده الاقتصادية الخاصة به مما اقتضى عدم إدماجهما بالمكونين السابقين. وإذا كانت منتجات ثقافية تقليدية كالكتاب، البرنامج، اللوحة، لها وجود في حياتنا، فإن وزنها الاقتصادي هزيل إلى حد كبير، خصوصاً عندما يتصل الأمر بالمنتج محلياً، وهو قد يرتفع قليلاً بالمستورد، غير أنه من المؤكد أن الصناعات الثقافية نشاط استثماري يكاد يكون بلا وجود له محلياً عدا صناعات ضئيلة تتصل بالطباعة والقرطاسيات والأصباغ وما شابه ذلك، ورغم الهزال والتقليدية في صناعة الثقافة فإنه، فوق ذلك، لم يسبق أن طرحت مسألة دراسة الاقتصاد الثقافي بأي صورة من الصور. إن من البداهة القول إن سبب هذا الغياب أو الإهمال ناجم عن أن آليات الإحصاء والمسوح قد أشاحت عن رصد مكونات القطاع الثقافي بالأساس أو أنها لم تحفل به لأنه لم يطرأ ببالها أصلا ولن يمثل "رقم الإبداع الوطني" في مكتبة الملك فهد الوطنية وتقاريرها سوى مجرد جهد جزئي مشكور منها ينتظر دور مصلحة الإحصاءات العامة ووزارة الثقافة والإعلام لكي تنهض كل منهما بهذه المهمة، مهما كان هذا الاقتصاد هزيلاً، بل إن هذا مدعاة للكشف عن العلل التي تحد من قدرة القطاع الثقافي على زيادة إسهامه الاقتصادي واقتراح حلول تقيله من عثاره وتغيثه من هزاله خصوصاً وهو قطاع يمثل بمفاعيل مكوناته بيئة التنمية ومناخها .. حيث التنمية ثقافة كما أن الثقافة تنمية .. والمواطن معادل موضوعي وجداني بينهما .. فكيف يبقى ما له كل هذا الوزن هزيلا؟!