تتردد في المجالس دائما عبارة أن البنزين لدينا أرخص من الماء على هيئة الاستغراب، والغريب هو أن نستغرب، فنحن نصدر البنزين لا الماء وعندنا أنهار من البترول تحت الأرض وليست لدينا أنهار مائية، فلماذا نحسد أنفسنا على رخص البنزين، وأكياس البلاستيك لدينا أرخص من التراب لأنها مصنعة من البتروكيماويات وهي في البلدان الصناعية أغلى من الورق المرتفع سعره لدينا بحكم الغابات الموجودة هناك وهذا من طبيعة الأشياء، ولذلك لامعنى لرفع أسعار البنزين وفقا للمطالبات التي تتكرر منذ فترة ليست قصيرة سواء بهذه الحجة أو لأن الطاقة الإنتاجية للمصافي السعودية ارتفعت إلى أكثر من مليوني برميل أو أن السعودية في المرتبة الرابعة عالميا بعد أمريكا والصين وروسيا في الاستهلاك. هناك أمورلا يمكن حسابها اقتصاديا فقط وإغفال الجانب الاجتماعي وهو الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه حكومة رجال الأعمال المصرية التي نجحت في كسب المال وخسارة الشعب، وهو أيضا سبب ثورات الشعوب على الحكومات التي تطبق شروط صندوق النقد الدولي بحذافيرها، ولنفترض جدلا أننا زدنا أسعار البنزين وتجاهلنا أصحاب الدخول المنخفضة بهدف تخفيض استهلاك الوقود وتخفيف الازدحام فإن هذا يعني أننا نفكر بالمقلوب لأننا قبل أن نزيد أسعاره علينا أن نوجد البدائل، فمن يضطر إلى إيقاف سيارته لأن البنزين يأكل جزءا من دخله المحدود يحتاج إلى شبكة من وسائل النقل العام من المترو والحافلات داخل المدن وقطارات بينها وتغطي الشبكة جميع الأحياء والشوارع والطرق الطويلة وبعدها لنفكر في زيادة أسعار البنزين، فليس هناك شخص يسره أن يقضي ساعات يوميا في السيارة وسط زحمة السير في الطرق أو الوقوف طويلا عند الإشارات الناعسة، والقيادة لم تعد فنا وذوقا ومتعة وإنما قطعة من العذاب في ساعات الذروة، واستهلاك البنزين الذي زاد منذ تخفيض أسعاره إلى الثلثين عام 2006 لم يزد إلى عام 2010 سوى 35 % ونصف النسبة بسبب زيادة نحو مليوني سيارة من 2006 في الشوارع والنصف الآخر بسبب المشاوير الطويلة والبطيئة حتى أصبح كل واحد منا في حل ومرتحل موكلا بفضاء الله يذرعه، وبدلا من أن نرفع أسعار البنزين علينا أن نطرح مسابقة مليونية لحل لغز ارتفاع الأسعار الدائم لدينا وانخفاضها في الدول المنتجة.