"لا أسرار كامنة وراء النجاح"، قالها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بل 3 أسباب ومسبّبات: "أولاً، أن يكون لدى القائد رؤية، وأن يؤمن إيماناً كاملاً بالقدرة على تحقيقها، وأن تكون هذه الرؤية لمصلحة تحقيق أحلام المواطنين. ثانياً، أن يختار فريق العمل الذي يؤمن بالرؤية، ويمتلك الطاقة الإيجابية لتحقيقها. ثالثاً، ألا يتوقّف أبداً عن توسيع هذه الرؤية لأنها مصدر إلهام لكل مَن حوله، والمحفّز الرئيسي لديه للنهوض كل صباح وإنجاز شيء جديد". يَكتسب كلام الشيخ محمد بُعداً إضافياً، إذ يَصف الطريق نحو تحقيق الأحلام بالقول: "عندما يتحدث الناس نحن نعمل، وعندما يُخطِّطون نحن نُنفِّذ، وعندما يتردَّدون نتقدَّم نحو المستقبل بكل ثقة". قد يقول قائل بأنه لا تجوز المقارنة ما بين مدينة خليجية، حديثة وغنية نسبياً مثل دبي، تتمتّع بموقع استراتيجي تستغلّه لمصلحتها، ولبنان، البلد المتشعِّب، العالق في نظامه "الديموقراطي" الطائفي، والخاضع لقوى خارجية أو داخلية أو الاثنتيْن معاً، ولا تتوافر له الإمكانات الماديّة والموارد الطبيعية، والذي يتأثر بالمتغيّرات الإقليمية، ويعاني مباشرة من تداعيات الصراع العربي – الإسرائيلي... بالإضافة إلى أنه أصبح ساحة مُشرَّعة الحدود، تزدهر فيها الدويْلات والجزر على أنواعها! وقد يُضيف آخر القول بأنه لا تصحّ المقارنة ما بين مدينة يسهُل فيها الحُكم والإنجاز والمساءلة والمحاسبة من قِبل حاكم واحد، على طريقة الشركات الخاصة الناجحة، وبين لبنان الذي "أكسبته" الحروب والصراعات صفة الدولة الضعيفة، والمؤسسات الدستورية المتضاربة، والمرجعيات المتعدّدة، والأحزاب المتنافرة، والهيئات الرقابية الحاضرة - الغائبة، والإدارة الشاغرة والفاسدة، حيث تتراكم الملفات، والمزايدات، والتسويات، والعمولات... وتكثُر الذرائع لعدم محاسبة المرتكِبين، في جمهورية أصبح معظم المسؤولين فيها "ملائكة" في جنّة الاهدار والإفساد وصرف النفوذ والإثراء غير المشروع والمحاصصة وتراكم الديون والخسائر والخيبات. يُوجد اليوم قادة تتكلّم عنهم أفعالهم وانجازاتهم، كما تُدين لهم شعوبهم بالأمل والازدهار ومواكبة العصر وبناء المستقبل... فيما يَبحث "تجار السياسة" في لبنان عن مستقبل بلدهم في ماضيه، مُمعِنين في الشعارات، والمزايدات، ولَوم الآخرين على أخطائهم وخطاياهم والإخفاقات. ببساطة، إن الحكم الصالح أوّله رؤية، وآخره محاسبة، وجوهره روح القيادة، وفريق العمل المنسجم، وبناء الثقة، والإلهام والتحفيز، واستنباط الحلول والمعجزات... وإلاّ، فالتَراجُع، وغياب الدور، وانحسار الأفق، وتزايُد الهجرة، والموت قهراً وفقراً واغتيالاً. ما بين دبي وبيروت مسافة تفصل ما بين مدينة عصرية مُفعَمة بالحياة، لا تَنظُر إلى الوراء... وأخرى عريقة ونابضة، تسعى لفَكّ أسرها واستعادة "ربيعها".