جاء إلى السعودية يسعى بعد أن هاجمها، ثم وقف ببابها يقدم خطاباً مغايراً طلباً لودها. في القاهرة اتهمها أنها مجرد بترول لاحضارة وثقافة حتى يكسب تعاطف الشارع المصري، وفي الرياض اعتبرها بوابة كبرى ترفع حظوظه بالرئاسة، وتدفع به إلى المقدمة أمام منافسيه. لم يظلم العوا نفسه بل ظلم الثقافة والمعرفة والوعي فحصاده الثقافي يتهاوى تحت سطوة الشهوة السياسية. وصوت المثقف الرزين أربكه الحضور السياسي المستجد وإن أبقى على نقائه “الإخواني” إذ لم يختلف عن مجايليه في المواقف المتقلبة، والنزعة الوصولية مهما كانت الطرق منافية للمبدأ الذي تربى عليه ودعا إلى التمسك به. وصل إلى الرياض مثقفا إخوانياً ولم يخرج منها سياسيا كما كان يأمل ويود رغم محاولاته تحقيق ذلك، ولم يكن ذلك عداوة له إنما لجهله السياسة وطرائقها ولأن مواقفه تفضح الرغبة ولا تشي بهوية محددة لرجل يظن أنه سيقود مصر بكل عظمتها. العوا مثقف إسلامي معتدل وقانوني كبير وليته اكتفى بذلك لحافظ على صورة مشرقة إلا أنه جزء من المجموعة، وأحد خياراتها الحالية استثماراً لسمعته العلمية ومن هنا تجيء آراؤه انعكاسا لها وليست مستقلة، حيث تذوب الفروق بين الفرد والمجموعة فيفقد المثقف قيمته الفعلية. بعيداً عن مهاجمة السعودية التي غدت من أدبيات “الإخوان” بعد أن اشتد عودهم في ربوعها، واحتضنتهم حين ضاقت الأرض عليهم فإن اللافت هو موقف العوا من الثورة السورية وسكوته عن جرائم النظام متكئاً إلى ارتباط “الإخوان” بما يدعى محور”المقاومة والممانعة” السيئ السمعة، واعتبار أن الوضع في سوريا ملتبس ويستدعي التأني حتى لا يغضب الزملاء في جزب الله وإيران، واكتفى عندما أحرجه أحد المثقفين السعوديين في لقائه الاحتفالي بالرياض بالقول إنه حادث حسن نصرالله في ذلك، وكأن حزب الله هو من يملي عليه الموقف النهائي في هذه المجزرة وليس مرجعيته الإسلامية أو حتى حسه الإنساني. معظم الرموز الإخوانية يسقط قناعها المتلون حال المواجهة والظهور إلى السطح، أما قبل ذلك فهم من الربانيين الذين يظنهم المرء منارة الإرشاد.