أما وقد كُلف الشيخ عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ بواحد من أكثر المناصب حساسية في السعودية، فلا نقول له إلا اصبر واحتسب وأنت تتولى مهمتك الجديدة، فالمتربصون بك وبقراراتك كُثر، والمتطلعون لفجر جديد للهيئة أكثر، حتى يُخيل للمراقب أن مقولة الإمام الشافعي ""رضا الناس غاية لا تُدرك"" قيلت لرئيس الهيئة وحده ولا أحد سواه. الأغلبية من السعوديين لا يختلفون على مبدأ بقاء الهيئة من عدمه، لكنهم يختلفون في كيفية أدائها مهامها، ما بين الأمر بالمعروف ب ""معروف"" والنهي عن المنكر ""بلا منكر""، كما صرح آل الشيخ نفسه، ولو استطاع شيخنا الجليل ترسيخ هذا المبدأ فقط، لنقل الهيئة من حال إلى حال. ولعل التحدي الأكبر أمام آل الشيخ، ترتيب أولويات الهيئة وفق ظروف المرحلة الحالية، فما كان متاحا، عرفاً، قبل 50 عاماً، لم تعد ظروف المكان والزمان تقبله، ولعل أبرز هذه التحديات التي يواجهها، هو إعادة الاعتبار لشخصية الهيئة، بعيداً عن الرهبة التي يستخدمها بعض أفرادها عبر ترسيخ فكرة ""عسكرتها""، حيث يُعاد النظر في هذا الفعل عاجلاً غير آجل، فمهمة التوقيف والقبض على المخالفين، مهمة الأجهزة الأمنية وحدها، ومن غير المقبول أن تتدخل أي جهة كانت لتنتزع هذه الصلاحية، وهو ما تفعله الهيئة حاليا بألف طريقة وطريقة، وفي أحيان كثيرة دون مبرر أو مسوغ قانوني سوى اجتهادات لأفراد يتخذون قرارهم وفقاً للموقف وتداعياته، وليس وفق القانون ومتطلباته. يمكن القول أيضا إن أبرز معضلة تواجه عمل الهيئة هي فقدان الثقة بينها وبين شريحة واسعة من المجتمع، ما أفرز لها عداوات هي في غنى عنها، حتى أصبح البعض يبحث عن أخطائها مهما صغرت، ليضخمها ويصنع منها قصة يروّج لها في كل مكان، في حين كان بالإمكان تجاوز هذه الأخطاء بقليل من التنظيم وحُسن النية وسن القوانين الداخلية، وهو ما بدأه عمليا آل الشيخ ، سواء بمنع المتعاونين من العمل مع الهيئة، أو بعزمه إنشاء مركز موحد للبلاغات والشكاوى، والشارع السعودي بأكمله بانتظار المزيد من القرارات التنظيمية لعمل الهيئة في الفترة القادمة. وحتى نكون منصفين لا يمكن تحميل الرئيس الجديد للهيئة كل سلبياتها في وضعها الحالي، وتوقع أن تكون بيده عصا سحرية لإزالة كل هذه السلبيات، فلهذا الجهاز إرث ثقيل لا يمكن تغييره في ليلة أو ضحاها، ولا ننسى أيضا أن هناك مَنْ يريد تصفية حسابات، بإدخال أخطاء الهيئة وتضخيمها ضمن معارك مفتعلة، لا يخرج منها الشارع السعودي إلا بخصومة بين الأطياف المتنوعة. كما ذكرنا، أغلبية السعوديين حريصون على بقاء الهيئة، لذا فهم ينتقدونها بقسوة في بعض الأحيان، هذه القسوة ضرورية نحو الإصلاح الذي ننشده جميعا، إضافة إلى أنها جهاز من ضمن أجهزة الدولة، وانتقادها يجب ألا يكون محرماً أو كما يعتبره بعض مناصري الهيئة وكأنه هجوم على الإسلام، فهناك فرق كبير بين انتقاد تصرفات أفراد، وانتقاد الشعيرة ذاتها.