"العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا مضطربة بشكل خطير نتيجة لوضعية الفصل غير الطبيعي الموجودة"... هذا بعض ما قالته فوزية البكر، أستاذة التربية في جامعة الملك سعود بالرياض، والتي سجل اسمها كأول امرأة يتم انتخابها لتكون عضواً في مجلس إدارة مؤسسة صحفية، وذلك بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على وجود المرأة في عالم الصحافة السعودية. عزل الجنسين عن بعضهما على هذا النحو في المجتمع السعودي، على امتداد سنين طويلة، "خلق أشكالاً مريضة للتعامل بين الطرفين في أي جهة عمل وليس فقط في المجال الإعلامي، وعلى المرأة أن تكون حذرة جداً في تعاملها مع أي وسط، ولا تأخذ دعوات الانفتاح أو التقدم على علاتها.. لأن الكثير -للأسف- يسيئون إلى المهنة، وعلى المرأة أن تكون قوية جداً في إيقاف الشخص وبشكل مباشر عند حده، وستدهش الفتيات بكيفية تحول موقف الرجل إلى شخص يعرف حدود تعامله". يزيد عدد سكان المملكة بموجب إحصاء 2010 على 27 مليون نسمة بقليل، 27.136.000، نحو 19 مليون منهم سعوديون، 51 في المئة ذكوراً و49 في المئة إناثاً، في حين يقل عدد غير السعوديين عن 4.5 مليون نسمة، نحو 30 منهم من الإناث. المرأة السعودية تكسب المزيد من الحقوق والاهتمام، وحول ذلك يدور صراع علني بين التيار الإصلاحي التحديثي والتيار الديني المحافظ. والمرأة تعاني في هذه المسيرة مشاكلها الخاصة، ومن أبرز تلك المشكلات مثلاً، تقول "مها فتيحي"، رئيسة منتدى السيدة "خديجة بنت خويلد"، "المواصلات العامة، وعدم قدرتها على التنقل بسهولة، وهو ما يمثل عائقاً كبيراً، إضافة إلى قلة معرفتها بالأنظمة والقوانين الصادرة على مستوى الوزارات أو المصالح الحكومية أو محاكم القضاء". وقد انتقد عضو في "هيئة كبار العلماء" السعودية، كما جاء في الصحيفة نفسها، منتدى خديجة بنت خويلد، الذي احتضنته مدينة جدة الساحلية، وشهد مشاركة نسائية ضخمة، بحضور عدد من وزراء الحكومة، ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكةالمكرمة، الذي كان له رأي مخالف لرأي المؤسسة الدينية الرسمية فيما يتعلق بمفهوم الاختلاط. وأضافت الصحيفة، أن المنتدى الذي اختتم أعماله في جدة، كان قد دعا إلى إشراك المرأة في عضوية "هيئة كبار العلماء"، وباستحداث وزارة خاصة بالمرأة، واستطاع أن يحصل على رأى شرعي لا يرى مانعاً لقيادة المرأة للسيارة. وفي برنامج تلفزيوني على قناة "المجد" الفضائية ذات التوجه الإسلامي، اعتبر الشيخ عبدالله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، كل الذين تحدثوا في شؤون المرأة بمنتدى خديجة بنت خويلد بأنهم "لا يمثلون المرأة السعودية، فهي بمعزل عن هذه الافتراءات التي يأتي إليها هؤلاء ويدعون فيها إلى الاختلاط، ويفسرون الاختلاط الممنوع بأنه التلاحم الجسدي...المرأة السعودية والشعب السعودي لا يرضى بأن يمثله هؤلاء". وفي مايو 2010، صرح الشيخ أحمد بن باز "إن السماح للمرأة بقيادة السيارة في السعودية بحاجة إلى قرار سياسي، مع تهيئة المجتمع لهذه النقلة". وأيده في ذلك د. محمد آل زلفة، عضو مجلس الشورى السابق، الذي أشار إلى أن مثل هذا القرار "سيجنب الأطفال والأسر السائقين الأجانب الذين يعبثون بنا"، في حين خالفهما الرأي د. ناصر العودة، أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام بن سعود الإسلامية، الذي قال إن القضية بحاجة إلى قرار اجتماعي. وقد دار هذا النقاش في برنامج "واجه الصحافة" على قناة "العربية". ومن القضايا الأخرى التي تثير في المملكة الكثير من الجدل "رياضة البنات". وفي هذا المجال، بعكس قيادة السيارة، تم اتخاذ قرار أعلنته في ديسمبر 2010 نائبة وزير التربية والتعليم لشؤون البنات في السعودية، نورة الفايز، حيث صرحت بأن إدخال الأنشطة الرياضية في مدارس البنات "سيرى النور قريباً". ثم أضافت "ستكون هناك ضوابط وأنظمة وخطط تتم دراستها حالياً في الوزارة، وسيتم الإعلان عنها حين الموافقة عليها". أما محمد الدخيني المتحدث الرسمي لوزارة التربية، فقال، على العكس، "إن التربية الرياضية في مدارس البنات ما زالت تدرسها الوزارة، ولم يتم حيالها أي شيء". وتناول بدر الخريف في مقال مطول في "الشرق الأوسط" أوضاع المرأة السعودية، وبخاصة بعض المعوقات القانونية لمسيرتها، والتي تحد من مشاركتها في سوق العمل. وقال إن الدولة قد أعدت في السنوات الأخيرة 2005 - 2010 مجموعة من الأنظمة والقواعد لعمل المرأة في القطاع الأهلي، منها: قرار مجلس الوزراء رقم 120 بشأن زيادة فرص ومجالات عمل المرأة السعودية، وقرار مجلس الوزراء رقم 187 بشأن تراخيص تشغيل النساء، القرار الوزاري رقم 793-1، بشأن قصر العمل في محال المستلزمات النسائية على المرأة السعودية، قرار مجلس الوزراء رقم 63 المتضمن بعض الإجراءات النظامية الخاصة بعمل المرأة في القطاعين الحكومي والأهلي - ضوابط عمل المرأة، نصوص خاصة بالمرأة العاملة في نظام العمل، وأخيراً استراتيجية التوظيف السعودية الصادرة بموجب القرار 260 نهاية عام 2009. وأشار القرار إلى أن أهم قضايا المرأة السعودية التعليم والتشغيل وما بين الاثنين من علاقة وثيقة بينما ينظر المجتمع إليهما كشيئين منفصلين. أما القضية النسائية المهمة الأخرى فهي مشكلة الأمية، حيث أظهرت إحصائيات 1421ه - 2000م، التي جرت قبل 12 عاماً، أن نسبة الأمية بين الإناث من السكان السعوديين، 10 سنوات فأكثر، بلغت نحو 29 في المئة من إجمالي الإناث. وكان العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز قد مهد الطريق لبروز الوجه الجديد لنساء المملكة في 14 فبراير 2009 بتعيينه نورة الفايز في منصب نسائي رفيع للمرة الأولى. وبعدها ببضعة أشهر تم إعفاء عضو من المجلس الديني الأعلى من منصبه إثر اعتراضه على التعليم المشترك، النسائي الرجالي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي أنشئت حديثاً وفق أعلى المعايير العالمية. وفي ديسمبر 2009، فازت د. لمى السليمان في انتخابات غرفة التجارة والصناعة في جدة، وأصبحت أول امرأة تتبوأ منصب نائب رئيس أهم مؤسسة تجارية مدنية في المملكة. وأعقب ذلك قيام وزارة التجارة بتعيين أربع سيدات أعضاء في إدارة مجالس فروع الغرف التجارية الصناعية في المملكة وهن "فاتن بندقجي" و"عائشة نتو" في جدة، و"هناء الزهير" و"سميرة الصويغ" في المنطقة الشرقية. وعلى الرغم من القيود الاجتماعية والدينية المفروضة على المرأة السعودية، يقول الباحث جعفر الشايب، فقد حققت سيدات الأعمال السعوديات إنجازات كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. ففي عام 2008 مثلاً، عدّل الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكةالمكرمة، المادة 160 من قانون العمل الذي يمنع الرجال والنساء من الاختلاط في مجال العمل. كما أعادت وزارة العمل النظر في قوانينها لمنح المرأة حق خيار العمل، بدلاً من الالتزام بموافقة ولي أمرها لتحصل على وظيفة أو تستقيل منها. وفي العام نفسه، ألغت وزارة التجارة الحظر الذي يمنع النساء من الإقامة وحدهن في الفنادق. ويتوقع أن يُسن قانون جديد يمنح المرأة حق السفر إلى الخارج من دون أخذ موافقة ولي الأمر، ويمكِّنها كذلك من استخدام بطاقة الهوية الوطنية للسفر إلى دول مجلس التعاون الخليجي. وأضاف التقرير أن سيدة الأعمال "خلود الفهد"، من مدينة الخبر تنشط في مجال التوعية النسائية. كما تتابع المحامية "سعاد الشمري"، أول محامية في المملكة، كثيراً من قضايا حقوق المرأة الأسرية، وتحاول مع محامين آخرين وضع قانون لتحديد سن الزواج وتجنب حالات الزواج القسري للفتيات اليافعات، وكذلك متابعة حقوق النساء المتزوجات من غير السعوديين. وفي كل هذه القضايا وغيرها، تحتاج المرأة السعودية، إلى دعم الدولة والعاهل السعودي شخصياً، وكل الإصلاحيين من التيار الديني والليبرالي، فالمسيرة كما هو واضح... طويلة! كاتب ومفكر - الكويت