جرى الحديث قبل أسابيع عن الرؤية العالمية للشرق، وأن العالم الغربي ينظر إلى الدول العربية ودول أخرى إسلامية نظرة متشابهة، باعتبارها ثقافة واحدة (الشرق)، دون وعي كامل منه بتفاصيل الحدود السياسية. هذا الأسبوع يمكن إعادة طرح ذات القضية بشكل أقل ثقافياً، وأضيق جغرافياً. إنه الحديث عن دول الجزيرة العربية، التي يرى البعض أنه يجدر بها أن تقدم نفسها باعتبارها تمثل واقعاً ثقافياً، وإن شئتم سياسياً، متشابهاً، باستثناء دولة واحدة، وربما بذلك يكون الحضور خارج المنطقة أقوى ثقافياً، لأنه سيكون حضوراً جمعياً، بعيداً عن الحدود السياسية الضيقة. غير أن هذه الرؤية التفاؤلية، تتراجع حين النظر إلى مستوى التواصل الثقافي بين هذه الدول حاليا. فالبرامج الثقافية، التي تقام بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لم يتح لها أن تصل بعد إلى مستوى الطموح، رغم الجهود التي يبذلها مسؤولو الثقافة في هذه الدول. ولعل أبرز الأسباب، حين إحسان الظن، يتمثل في الروتين الرسمي، واختلاف الأنظمة الإدارية، وتفاوت الحماسة بين هذه الدول. إن الحديث عن عمل ثقافي مشترك خارج هذه الدول، يحتاج في البدء والنهاية إلى قناعات الدول بهذا التوجه! ويلاحظ أن هذه الدول، نظراً لطموحها الذاتي ووجود المال الوافر، تريد أن يكون لها حضور ثقافي خاص بها، باعتبار كيانها السياسي المستقل. وهذا ما يجعل العمل الثقافي المشترك بحاجة إلى بعض الوقت، لتترسخ القناعات بأهميته. إن ما تم طرحه في اجتماع قمة دول المجلس الشهر الماضي في الرياض، من فكرة التحول من التعاون إلى الاتحاد، يجعل سؤال الثقافة المشترك سؤالاً أساسياً ومهماً جداً. إن الاتحاد بين دول المجلس يتطلب قراراً سياسياً من قادة الدول، لكن من المؤكد أنه يحتاج إلى سنوات من العمل المشترك في جميع المجالات، من أجل تحقيقه. والثقافة جزء أساس من هذه المجالات، وتمتاز، خلافاً للأنشطة الأخرى، بأنها ليست محل خلاف كبير بين الدول. الرؤى الثقافية تختلف من دولة إلى أخرى من حيث الانغلاق والانفتاح، فبعض المهرجانات التي تقام في دبي، قد يكون من الصعب تنفيذها في جدة مثلاً، لكن يمكن النظر إلى ذلك باعتباره يمثل نوعاً من التكامل بين الدول. إن كثيراً من البرامج والمهرجانات التي تقام في بعض دول المنطقة بين الحين والآخر تفتح أفقاً كبيراً للمشاركة الثقافية لأبناء الدول الأخرى. وهذا يحقق تكاملاً وثراء ثقافياً، بعيداً عن التواصل الرسمي. ولعل مثقفي المملكة بشكل خاص أكثر المستفيدين من هذه البرامج والأنشطة، بل إن كثيراً منها يفتح لهم أفقاً أوسع للمشاركة. فالمهرجانات السينمائية والمسرحية والفنون التشكيلية التي تقام في دول المنطقة، تمثل بوابات جديدة وأساسية للمبدعين السعوديين. ومن خلال متابعة مشاركات عديدة لأبناء هذا الوطن في هذه المهرجانات، نجد أنهم يحققون حضوراً متميزاً فيها، كما أنها فتحت لهم فرصاً إبداعية، على عدد من الفنون المختلفة، التي لا تحظى باهتمام ورعاية من أجهزة الدولة الرسمية، رغم القناعة التي قد تكون موجودة لدى مسؤولي هذه الأجهزة.