نعرف أن الجن دائماً مظلومون معنا. فكم مرة جررناهم في قضايا لا شأن لهم فيها، وورطناهم في مصائب لا علم لهم بها، وحملناهم مسؤوليات ليست لهم، وشوهنا سمعتهم وجعلناهم قتلة ومرتشين، ومع هذا صبروا علينا واستعاضوا عن رفع القضايا ضدنا بالحلم والتسامح، ليتنا نتعلم منهم. ولو أنهم يمتلكون قنوات فضائية لسخروا منا في (برامج التوك شو) الخاصة بهم، لكنهم بحسب مصادري لم يفعلوا. هاهو الحق ينتصر وتتبين براءتهم. فقد تحدثت معي الجهة الأمنية المعنية- وأنا أعطيها هذا اللقب بحسب طلبها هي - وصحح لي كذب ما نشرته أحد الصحف عن أن قائد الشرطة قد صرح للصحافي بأن الجني قد قتل سيدة في ال40، وأن الجني توعد بقية العائلة، والجهة الأمنية تقول إن الصحافي وحده من ابتكر هذه «التلفيقة» ووضعها على لسان قائد الشرطة، لأنه على ما يبدو يعرف أن الخبر لا يكون خبراً صحافياً لو اكتفى بالقول إن الراقي الشرعي هو من فسر له بأن الجني هو من قتل المرأة وتهدد البقية من العائلة، ونصحهم بالهروب بعد أن شفط أموالهم. أسوأ ما في هذا الاجتهاد أن يعتمد الصحافي هذا التصريح ويضعه على لسان قائد الشرطة. الحقيقة أن ما فعله الزميل الصحافي يدخل في دائرة تضليل الرأي العام وهي جريمة لا تقل عن قتل الناس، ولا يجب أن تترك هكذا دون ضبط وردع، فترويع الناس بأن الجن قد اصبحوا بمواجهة الشرطة، وأن الشرطة تعترف عاجزة بأن الجن تقتل، يعتبر تصريحاً قابلاً للتصديق، ومثيراً للفزع في قلوب الناس، فأين يهرب الناس من الجن عابري القارات والحدود والحارات؟ وإن كان الرقاة يسعدهم ترويج مثل هذه الأخبار كي تنتعش سوق تجارتهم فإننا لا بد وأن نعترف أن هناك أطرافاً أخرى قد قصرت في دورها بحيث جعلت الناس نهباً للاستغلال والجهل والتردي. الجهة المعنية صرحت لي بأن السيدة تعاني من حالة «صرع» بحسب تقارير مستشفى الصحة النفسية لكن العائلة لا ترى أنها مصابة بمرض فاستسلمت للخوف والعجز وتشخيص الرقاة. وبدلاً من الأخذ بالأسباب وهي معالجة مرض هو في التشخيص الطبي مرض له دواء، صار الجهل هو الطريق الذي يحدد أسباب المرض بأسباب غامضة لا يستطيع صاحبها ومستغليه أن ينفيها أو يثبتها إلا بحسب اعتقاده هو، فإن آمن بأنه مسحور أو مسكون فإنه سيمرض أكثر وسيدخل في متاهات العجز واللّا فهم، وإن آمن بأنه مريض في طريق الشفاء فإنه بإذن الله يشفى. العائلة تُرِكت للرقاة وللجهل وقلة الحيلة، لم تحتضنهم مؤسسات الرعاية الاجتماعية، ولم يأخذ بيدهم أحد ولم يتلقوا العلاج الكافي فتدهورت حالة عائلة مكونة من ستة أشخاص، وحين تنغلق الحلقة ويصبح العقل عاجزاً عن تفسير ما يحدث فإننا نحتاج الجن ليصيروا أبطال هذه الحكايات، أصبحوا هم أيضاً يخضعون لاستغلال منّا مثلما فعل زميلنا الصحفي الذي ظلل الرأي العام، وكُتاب الرأي العام. وإنني هنا أعتذر للجني الذي ورطته في قتل فرحتي، في مقال سابق، واعتذر للجهة المعنية التي احترم تحفظها، وتشرفي بالحديث معه. وغفر الله لنا جميعاً.