يستعد مئات الألوف من السعوديين والسعوديات لغرس وإضاءة شجرة «الكريسماس» في بيوتهم، توافقاً مع رأس السنة الميلادية، كأكبر كسر لتوجهات دينية واجتماعية لم تستطع حجب احتفالات مرت خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر)، وكذلك أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، تحت عباءة «الهالوين»، و«عيد الشكر». تتشارك أسر سعودية بتقبل وجود «الكريسماس» وأشجاره في بيوتهم، ليس تعبداً، أو تسامحاً عقائدياً، بقدر كونه امتداداً لمشروع بلجيكي انطلق عام 1958 على يد رسام وكاتب يحمل من الأسماء (بيير كوليفورد بيفو Pierre Culliford Peyo)، ومن الأبناء بابا سنفور (Papa Smurf) المقبل من عمق موروث القرون الوسطى متعلقاً بطائر «لقلاق عملاق» - وسنافر آخرون - تحت ضوء أزرق لقمر غاب وترك لونه كساء لهم. احتاج «بابا سنفور» 54 عاماً للعبور من حال رسم على صفحات صحيفة «سبيرو» إلى كل زوايا العالم ك«لعبة إلكترونية» على أجهزة كومبيوتر وتطبيقات هواتف نقالة، في واحدة من كبريات حملات العلاقات العامة لإيديولوجية محددة، كذلك صراع بين الخير «السنافر» والشر «السنفور: شرشبيل»، وهو لقب بات يوصف به كل كهل لا يروق لأجيال تصغره. تتصاعد الحماقة إذا تم الإلماح إلى أن «السنافر» تندرج ضمن حرب أيديولوجيات يهدف منتجوها لهدم منافس، لأن العقل يقول «كل من أراد هدم صرح قائم يصاب رأسه بجزء كبير من الركام إذا لم يصبح قبراً له»، لكنها تضمنت تبسيطاً لمفاهيم، وإشارة إلى أن بناء شجرة كريسماس لا يعني هدم مئذنة، وهو ما يتوق لغرسه متحمسون لحوار الأديان. يحقق «بابا سنفور» أهدافاً إيديولوجية بإمتاع، مقارنة بسيارة «جي إم سي» تقف عند أحمر الشفاه أكثر من توقفها عند «إشارات حُمر»، منتصبة على قارعة شوارع المجتمعات وخصوصياتها. يكاد يكون وصف «كلنا سنافر» صائباً، فالقرية قاحلة، تحتاج اعماراً يعوقه «شرشبيل»، وهو رمز لفساد مالي وإداري، بالكاد الجزء الموجود في داخلنا من «إبليس»، وبينما وجه الخير «بابا سنفور» يسعى لمساندة جميع سكان قريته فإنه لا يصنع حلاً متكاملاً وفاعلاً ضد «شرشبيل»، لأن قرية السنافر لا تحتكم لدستور واضح وتكتفي بالاعتماد على مبادئ وأعراف شائعة. تستقبل رأس السنة الميلادية الجديدة إسهاماً سعودياً عريضاً في إضاءة أشجار الكريسماس، وأجيالاً صغيرة تذهب إلى مدارسها في اليوم التالي تحمل أجهزة كومبيوتر وهواتف نقالة يتسيد شاشاتها جزء من احتفالية قد تتكرر لسنوات لاحقة قبل أن تصدر فتوى مماثلة للمناداة بقتل «ميكي ماوس»، كان المنادي يتحدث بصوت واثق وملامح وجه مسرور جداً. صنع «بابا سنفور» باب خير لراسمه، من فقر واضع إلى ثراء رافع، ثم علامة تجارية تنقلت من بطون الصحف إلى صدور شاشات السينما والتلفاز، تحدث بلغات الأرض، وأصبح حواراً للكبار قبل الصغار، وسؤال يتكرر «شفت قريتي؟»، يقولها أقوام لا يملكون منازل أو مزارع، ولا يشكون في قدرة مافيا تطبيق الأراضي على كتابة «أملاك خاصة» بجوار نهر وأراضي قرية السنافر، وربما «Private property» مادامت اللعبة عالمية.