عبدالكريم الجهيمان منارة ثقافية وطنية ستبقى شامخة وإن انطفأ نورها بعد مئة عام من الإشعاع، إنه منارة لم يستوعبها علم الفارلوجي Pharology ولكن استوعبتها عقول الناس وحضنتها قلوبهم. وبغض النظر عن دوره الفكري والتنويري وإصداراته الثقافية المتعددة فإن دوره في عولمة ثقافتنا الشعبية هي من أجلّ الأعمال الأدبية، فنقل الموروث الشعبي من الشفاهي إلى الكتابي ليس بالأمر الهين بل هو مخاض عسير لتخليد هذا الموروث، فالموروث الشفاهي في مرحلته الخام يبقى محدود الانتشار محصور القيمة، ولكنه بعد انتقاله من مستودعات الصدور ومداولات الألسن إلى بطون الكتب ومسير الأقلام يكتسب أهمية التوثيق التاريخي فيكون مسرحاً للدراسات الإنسانية والبحوث العلمية، وهذا ما يتيح له الفرصة للظهور كصورة معبرة عن ثقافات الشعوب في كل مكان. وكتابه الضخم (الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية) الصادر سنة 1383ه في عشرة أجزاء والذي حوى ما ينيف على تسعة آلاف مثل جمعها من أفواه الرواة وكتبها وشكّلها وشرحها. وكتابه الآخر(أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب) الصادر سنة 1387ه في خمسة أجزاء المتضمن 136 أسطورة جمعها ثم صاغها بأسلوبه بلغة عربية ليفهمها قارئ العربية في كل مكان مع التزامه بنشر الأشعار والحكم والأمثال كما هي ليلحق بكل جزء من الكتاب جدول بالكلمات الشعبية الواردة فيه ويوضح معانيها للقارئ، ورغم عدم التسليم التام بكون المجموع لا يندرج ضمن اصطلاح الأساطير، إلا أنها ولا شك من القصص الشعبي الذي يتقاطع مع الأسطورة في طرف منه، هذا القصص ينقسم عند الجهيمان إلى سالفة وسبحونة. والحقيقة أن هذين الكتابين هما سجل للباحث والمؤرخ للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في الجزيرة العربية في إطارها الزماني والدليل على أهمية كتب الثقافة الشعبية هو ترجمة بعض ما جاء في أساطير الجهيمان إلى لغات أخرى في سياق الدراسات الأكاديمية وهذا ما قام به الدكتور شاه رستم موساروف في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه في آداب الشعوب العربية وآسيا الوسطى حيث ترجم أجزاء من هذه الحكايات من العربية إلى الروسية لتصدر بعد ذلك في كتاب عن مركز البحوث الاستراتيجية والسياسية في موسكو بعنوان (حكايات شعبية عربية) ومن المعروف أن الكتب المهتمة بآداب الشعوب عموماً تجد رواجاً عند القراء في شتى دول العالم، وأعجب بعد ذلك ممن يترجمون الأساطير الشعبية في ويلز وبلغاريا وأوزبكستان، والأمثال الشعبية في اليابان ومنغوليا وجزر الواق واق ثم ينظرون بتعال إلى ثقافتهم الشعبية ويعمدون إلى تغييبها عن المشهد الثقافي برعونة لا ترتقي إلى وعي سبحونة الدهر الخالدة عبدالكريم الجهيمان رحمه الله.