د. سهيلة زين العابدين حماد - المدينة السعودية هل تركنا خالقنا هملًا أربعة عشر قرنًا بلا ضوابط تضبط مشاركة النساء في الحياة العامة التي تتطلب اختلاطهن بالرجال والتحدث معهم حتى نقصر ضوابطنا الشرعية على الدوائر التلفازية المغلقة التي اخترعها «الغربيون»؟ مع أنَّ المعارضين يبررون معارضتهم لمشاركة المرأة بأنَّها آتية إلينا من الغرب، وهم يعلمون أنَّها من صميم الإسلام لوجود آيات قرآنية وأحاديث نبوية تبينها، والسنة الفعلية توضحها على أرض الواقع، لأنَّ الحياة بفطرتها قائمة على هذه المشاركة منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا، فنظام الكون قائم على نظام الزوجية، ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ﴾ وأوضح في كتابه العزيز أحكامها وضوابطها، وهي : 1.﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾[النور:31] جاء في تفسير «بن كثير» لهذه الآية ما يلي: وَقَوْله تَعَالَى ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ أَيْ لَا يُظْهِرْنَ شَيْئًا مِنْ الزِّينَة لِلْأَجَانِبِ إِلَّا مَا لَا يُمْكِن إِخْفَاؤُهُ .. وَقَالَ بِقَوْلِ اِبْن مَسْعُود الْحَسَن وَابْن سِيرِينَ وَأَبُو الْجَوْزَاء وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَغَيْرهمْ وَقَالَ الْأَعْمَش عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس:﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ قَالَ : وَجْههَا وَكَفَّيْهَا وَالْخَاتَم. وَقَوْله تَعَالَى﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ﴾« يَعْنِي الْمَقَانِع يُعْمَل لَهَا صِفَات ضَارِبَات عَلَى صُدُورهنَّ لِتُوَارِي مَا تَحْتهَا مِنْ صَدْرهَا وَتَرَائِبهَا لِيُخَالِفْنَ شِعَار نِسَاء أَهْل الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُنَّ لَمْ يَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ بَلْ كَانَتْ الْمَرْأَة مِنْهُنَّ تَمُرّ بَيْن الرِّجَال مُسَفِّحَة بِصَدْرِهَا لَا يُوَارِيه شَيْء، وَرُبَّمَا أَظْهَرَتْ عُنُقهَا وَذَوَائِب شَعْرهَا وَأَقْرِطَة آذَانهَا فَأَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنَات أَنْ يَسْتَتِرْنَ فِي هَيْئَاتهنَّ وَأَحْوَالهنَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى﴿ يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ « وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ﴾ وَالْخُمُر جَمْع خِمَار وَهُوَ مَا يُخَمَّر بِهِ أَيْ يُغَطَّى بِهِ الرَّأْس وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النَّاس الْمَقَانِع . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر﴿ وَلْيَضْرِبْنَ ( وَلْيَشْدُدْنَ )بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ ﴾ يَعْنِي عَلَى النَّحْر وَالصَّدْر فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْء. وجاء في تفسير «الجلالين:﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ﴾ أَيْ يَسْتُرْنَ الرُّؤوس وَالْأَعْنَاق وَالصُّدُور بِالْمَقَانِعِ «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ» الْخَفِيَّة وَهِيَ مَا عَدَا الْوَجْه». وجاء في تفسير الطبري: وَقَوْله: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ﴾ وَلْيُلْقِينَ خُمُرهنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ, لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورهنَّ وَأَعْنَاقهنَّ وَقُرْطهنَّ. وجاء في تفسير القرطبي( : قَالَ النَّقَّاش: كَمَا يَصْنَع النَّبَط ; فَيَبْقَى النَّحْر وَالْعُنُق وَالْأُذُنَانِ لَا سَتْر عَلَى ذَلِكَ; فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِلَيِّ الْخِمَار عَلَى الْجُيُوب، وَهَيْئَة ذَلِكَ أَنْ تَضْرِب الْمَرْأَة بِخِمَارِهَا عَلَى جَيْبهَا لِتَسْتُر صَدْرهَا) يتبين مما ورد في هذه التفاسير إباحة كشف المرأة وَجْههَا وَكَفَّيْهَا. 2.﴿ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾[النور: 31] المقصود أن لا تضرب المرأة برجلها فيعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به! 3. ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور:30] وقوله تعالى ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ويحفظن فروجهن﴾[النور: 31] لذا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم صرف وجه الفضل بن العباس الذي كان رديفه عن تلك الحسناء الخثعمية التي جاءت تستفتي رسول الله بعد تحللها من الإحرام في حجة الوداع .هذا ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس، قال ابن بطال: وفيه دليل على أنّ نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لو يلزم ذلك جميع النساء لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل عنها. 4.﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ 5.﴿ يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوَّافون عليكم بعضكم على بعض﴾[النور:58] أي لا جناح على الناس أن يدخل عليهم مماليكهم البالغون رجالًا ونساءً، وصبيانهم الصغار بغير إذن بعد هذه الأوقات الثلاث، فللمماليك الرجال والنساء أن يطوفوا على من في البيت رجالًا ونساءً في أي وقت شاءوا باستثناء الأوقات المذكورة في الآية، وهي بمثابة ضوابط شرعية لقيامهم بالخدمة في البيوت، أليس هذا دليلا واضحا قطعي الدلالة على إباحة الإسلام للاختلاط بلا سُتر ولا حواجز؟ 6.عدم مزاحمة الرجال يوضح هذا قوله تعالى:﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ﴾[ القصص: 23] مع هذه الضوابط أباح الإسلام لقاء النساء بالرجال والتحدث معًا مباشرة بلا حواجز، ولا سُتر، فها هو شعيب عليه السلام يرسل إحدى ابنتيه إلى موسى عليه السلام ،قائلة له كما جاء في قوله تعالى: ﴿ فجَاءَتْهُ إَحْدَاهُمَا تَمْشَي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيِجْزِيَك أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لنَا﴾[ القصص:25] كما نجد سيدنا زكريا عليه السلام يدخل على السيدة مريم المحراب، فوجد عندها رزقًا ،فسألها أنَّى لك هذا ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾[آل عمران:37] وقد كلَّم النبي سليمان عليه السلام بلقيس ملكة سبأ بلا حواجز، يوضح هذا قوله تعالى: ﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصّرْحَ فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنّهُ صَرْحٌ مّمَرّدٌ مّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ﴾[النمل:44] ودار حوار بين الرسول صلى الله عليه وسلم ،وبين المرأة التي جاءته تجادله في زوجها بلا سُتر، والذي أنزل الله فيه قوله تعالى:(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) للحديث صلة.