إسلاميّون مرشّحون لمنصب الرئاسة.. وكذلك "آخرون" والجميع مصريّون مسلمون ووطنيّون.. فإلى أيّ المرشّحين سينحاز الناخبون الإسلاميّون؟! للمرشّح "الإسلامي" حتى لو كان بلا برامج ومهارات سياسيّة.. أم إلى المرشح المصري "المسلم" الذي يقدم البرامج، ويملك الخبرات والسيرة الذاتية الحسنة؟! هذا السؤال يحتاج فعلاً إلى طرح وبإلحاح شديد على القوى والتيارات الإسلاميّة.. لأن المخاوف كبيرة على إهدار قيمتها ووزنها الانتخابي، لاسيما أنه لوحظ انحيازها إلى كل من كان "إسلاميًّا" استنادًا إلى "العاطفة"، وليس إلى أية معايير موضوعيّة، تعيد للصوت الانتخابي، قيمته الحقيقيّة باعتباره "أمانة"، وليس "كارت مجاملة". غير أنه من الأهميّة هنا الإشارة إلى أن هذا الانحياز، لا يختصّ به الناخب الإسلامي، وإنما ينسحب على كافة القوى والتيارات التي تُسمّى ب"العلمانيّة أو "المدنيّة"؛ حيث ينحاز الناخبون العلمانيّون إلى مرشّحهم الذي يحمل جيناتهم الفكريّة، بغض النظر عما يمتلكه من مواهب سياسيّة أو أفكار وبرامج أو خبرات. في مصر إذن وبسبب غياب المؤسّسات الديموقراطيّة، فإن الاعتصام ب"الايديولوجيا" يظل هو الخيار الوحيد عند الجميع، انطلاقًا من خبرات مصر السياسيّة حيث لا تعرف الأجيال الثلاثة الأخيرة إلاّ نمطًا واحدًا من الحكم: الحزب الواحد، والرئيس الأوحد، والذي يملك من السلطات ما ينزله منزله "الحاكم الإله". لا نريد أن نلوم أحدًا؛ لأن "الجريمة" لم يرتكبها عوامّ الناس، ولا النخب السياسيّة التي كانت لا تملك إلاّ "الصّراخ" في بيئة أمنيّة قمعيّة وحشيّة لا ترحم معارضًا أيًّا كانت منزلته أو مكانته الاجتماعيّة أو العلميّة.. إنها جناية نظم حكم أنزلت نفسها منزلة "القداسة"، والنظر إلى المجتمع من "فوق" باستعلاء أحالت الجميع فيه إلى محض كائنات لا حقوق "آدميّة" لها. أزعم أن هذا هو جزء من محنة مصر الحالية، وأن ما يقرب من (60) عامًا من التجريف والتجفيف والترويع والغياب التامّ لدولة القانون، كان كافيًا لإحالة البلد إلى مساحة جغرافيّة خالية من "المواطنين" لا يسكنها إلاّ "الحكام والطواغيت".. لا تعرف معنى المؤسسة ولا البرامج، وإنما حكمة الرئيس وتعليمات السيد الرئيس، أو السيدة قرينته.. ما خلف خبرات اجتماعيّة وسياسيّة وحدت الدولة في الرئيس.. بل جعلت من الأخير هو الدولة.. "به تبتدي وبغيابه تنتهي". من الصعوبة إزالة كل هذه الخبرات خلال أشهر أو سنوات قليلة.. المسألة ستحتاج إلى وقت قد يطول أو يقصر، ويتوقف ذلك على قدرة مصر ما بعد الثورة، على إعادة بناء دولة مؤسّسات حقيقيّة.. دولة قانون.. تحكمها المؤسّسات الديموقراطيّة والدستوريّة تحاسب الجميع بما فيه الرئيس ذاته.