هذا العنوان ربما كان ليستخدم في التسعينات لبثّ الرّعب من وصول الاسلاميين للحكم من قبل أنظمة قمعية كانت تصنف نفسها كأنظمة ديمقراطية او علمانية! اليوم وفي ضل الربيع العربي الممتد نرى ان كثيرا من المؤشرات تصب في صالح وصول الاسلاميين للسلطة ولعل هذا ما أثبتته الانتخابات التونسية التي اختارت ان تكون أول الأنظمة انتخابا كما كانت اولها إسقاطا لنظامها. نسبة اقبال التونسيين على الانتخابات فاقت كل التوقعات كما اثبتت كذب ودجل النظام السابق حين كان يعلن ان نسبة المشاركة تصل الى 95 في المائة بينما اليوم انتخب التونسيون بطريقة مستقلة بنسبة جاوزت 80 في المائة فقط في طوابير لم تشهدها تونس من قبل! لكنها الحقيقة البعيدة عن التزييف في ممارسة الديمقراطية. لكن يبقى سؤال حائر هو: هل الاسلاميين الذين كان الجميع يرتعب من وصولهم للحكم هم ذاتهم الاسلاميون اليوم؟ بالطبع اذا كان المقصود الشخصيات فالكثير منها هي ذاتها اما اذا كان المقصود بذلك الافكار فإن هناك الكثير من التغيرات التي طرأت على الحركة الاسلامية في العقد الاخير ولعل احداث الربيع العربي اعطتها من النضج مالم تعطها السنوات العشر الماضية. فحركة النهضة التونسية تؤمن بالحرية والعدالة والعلمانية الجزئية في بعض اطروحاتها التي يعارضها الكثير من الاسلاميين وهي اقرب الحركات الاسلامية الى العدالة والتنمية التركي في بعض الافكار، لذا فعلينا ان نترقب تجربة شخصية فكرية وثقافية حاولت ان ترتقي بالاسلام السياسي الحديث من باحة الشعارات الى اجندة العمل المنظم والرؤى الواضحة. الاسلاميون قادمون في تونس برؤية تقدمية حضارية تعد بالكثير ويعقد عليها الكثير من الآمال في اول تجربة للاسلاميين من خلال صناديق الاقتراع. جرّب الاسلاميون الوصول الى الحكم في المنطقة العربية من خلال شخصية لا تقل عن راشد الغنوشي في رؤيتها ودهائها السياسي لكنها فشلت بشكل ذريع عندما عصفت بها الخلافات الشخصية على الكعكة السودانية. الاسلاميون قادمون برؤية كان الحديث عنها في الثمانينات بمثابة الردة عن النهج الاسلامي فالشيخ يوسف القرضاوي ومن على منبر الجمعة يعطي البيعة لرجل علماني يتقاطع مع الرؤية الاسلامية للحكم بشكل كامل، لا اقول هذا الحديث من قبل الانتقاد ولكن من قبل التطور الكبير في الرؤية لمفهوم العلمانية والحكم في الاسلام، ولأنني أعلم أن القرضاوي يعرف ان برهان غليون له موقف واضح من الاسلام السياسي وعلاقة الاسلام بالسياسة وهو القائل في كتابة (نقد السياسة الدولة والدين) “لم يتحدث الإسلام عن السياسة، أو يقدم رأيه فيها، فهي تعني المقابل للوحي والمعرفة الدينية، لأنها مرتبطة بالعقل والحنكة والحيلة والخدعة، كما هي الحرب، وليس من قبيل الصدفة تجاهل القرآن لها. فهذا تجاهل نابع من الاختيار الأول للدين والروح بالمعنى الإرادي والحري والباطني كوعاء للرسالة مقابل الدولة التي كانت رديفاً لقوة السيطرة القهرية، وكلمة الدولة الإسلامية نفسها كلمة مبتدعة حديثة تعبر عن تأثر الفكر الإسلامي المعاصر الشديد بالفكر الحديث السائد”. فهل بات الاسلاميون اكثر نضجا وانفتاحا وقدرة على الممارسة السياسية وفق معطياتها الحديثة؟ سؤال يبدو ملحا وضروريا لاسيما في ضوء التطور الكبير حتى على الاحزاب السلفية المتشددة التي كانت ترى في الديمقراطية والمشاركة السياسية شيئا محرما، واليوم هي ذاتها تسعى الى تشكيل احزاب اسلامية والدخول في السباق الديمقراطي. مفارقة تحتاج الى الكثير من البحث والاستقصاء ليس الآن فقط بل بعد العملية الانتخابية لتتضح ملامح هذا التفكير الجديد داخل الحركات الاسلامية في العالم العربي.[/SIZE] * مجلة "المجلة" اللندنية