د. سلطان عبد العزيز العنقري - المدينة السعودية شاليط، هذا الإسرائيلي اليهودي، الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، تسبب في مقتل آلاف من المدنيين الفلسطينيين العزل في غزة، ودمَّر البنية التحتية المهترئة في الأصل في القطاع. هذا البني آدم، الذي تم أسره من قبل حماس، والذي كان السبب في محرقة غزة، يظل ثمنه يساوي ألف آدمي فلسطيني وأكثر، بل يُقال إنه بعد أسره امتلأت سجون ومعسكرات الاحتلال في كل مكان من الآلاف من الأسرى الفلسطينيين والمخطوفين. والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا كسبت حماس من أسره واحتجازه؟! لا شيء على الإطلاق، بل محرقة هنا ومحرقة هناك، قتل هنا وقتل هناك واعتقال هنا واعتقال هناك، وتجريف لأراض في كل مكان، وهدم بيوت ومصادرة وذل وإذلال للفلسطينيين لم يعهدوهما من قبل أسر شاليط الذي استُبدل بصفقة ألف فلسطيني ولكن بعد خراب مالطا، أي بعد مقتل وأسر آلاف الفلسطينيين؟! ولكن بغض النظر عن رخص الآدمي العربي الفلسطيني إلا أنه أصبح ضحية لحكومات متناحرة في الضفة والقطاع. فأسر يهودي -مهما كانت الأهداف والدوافع من وراء ذلك- ليس من مصلحة الفلسطينيين الذين يعيشون في بيوت زجاجية. صواريخ بسيطة، صنع بيت، تُطلق من قطاع غزة تسقط في أماكن على أطراف إسرائيل لا تُحدث إلا فرقعة، ترد عليهم إسرائيل بالمقابل بقتل عناصر من حماس وغيرها من الفصائل، وأطفال وشيوخ ونساء بطائرات بدون طيار، وبصواريخ موجهة وبفرق اغتيال جاهزة لتنفيذ المهمات على أكمل وجه. حكومتان في أرض متقطعة الأوصال في الضفة والقطاع، وكل يقول من رموز تلك المنظمات والحركات والفصائل «أنا الزعيم»، وتناسوا أن هناك قضية اسمها «فلسطين» لا يمكن تحريرها إلا بأبنائها المخلصين الذين لا يعتنقون التبعية للأجنبي مهما كانت المغريات والمكاسب والثمن المدفوع، فلو تلك الحكومتان طالتهما انتفاضة الشارع العربي أو ما يُسمَّى بالربيع العربي لارتعدت فرائص إسرائيل. الفلسطينيون مشكلتهم الأزلية أنهم ليسوا على قلب رجل واحد، لا يثقون ببعضهم البعض سواء على مستوى القيادات أو على مستوى الأفراد، بل إنهم ذهبوا أبعد من ذلك بتخوين بعضهم البعض، فكل يرى أن كل فلسطيني عميل لإسرائيل أو لدولة أجنبية لماذا؟! لأن إسرائيل استخدمت بينهم سياسة فرق تسد الاستعمارية، وزرعت الخوف والرعب وأملت عليهم الخيانة لناسهم وأراضيهم، فإما أن تكون عميلًا أو القتل، وفي كلتا الحالتين القتل موجود وقادم، البعض آنيا والآخر مؤجلا. المصالحة بين رموز الفلسطينيين يتم وأدها بعد أن ينفضّوا من غرف الاجتماعات والمقابلات والمقبلات وتوزيع الابتسامات والقبلات وعدسات التصوير وشاشات التلفزة، فلا مؤتمرات أو اجتماعات مصالحة نجحت، بل كل يريد أن ينفرد بنفسه لحل مشكلة وقضية أمة ليست فلسطينية فحسب بل أمة عربية بأكملها بعيدًا عن الآخر وبعيدًا عن الإجماع العربي. حماس تُندِّد بعباس لذهابه للأمم المتحدة لإعلان دولة فلسطينية بكامل العضوية، وخالد مشعل زعيم حماس يتنقل بين سوريا وطهران وحزب الله في لبنان بدلًا من أن يذهب للاجتماع برفاقه في أي مكان لتنسيق المواقف وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية يكون صندوق الانتخابات هو الفيصل وليس الاستقواء بالأجنبي على بني جلدته من الفلسطينيين وكأن إيران ومرشدها الأعلى لديهم «عصا موسى» لحل القضية الفلسطينية؟!! وهم -أي الفرس- ليس لديهم إلا تصدير الانقسامات والاغتيالات والثورات وزرع الفتن والمحن والمآسي بل وصلت خدماتهم إلى أن ترتقي إلى مستوى متقدم في الاغتيالات والمؤامرات يطلق عليه إرهاب دولة. سفيرنا في أمريكا تُخطط إيران لاغتياله!! وأنا وغيري لا أعرف كيف أن بني آدم بريء مثل أي سفير لأي دولة في العالم يُستهدف من قِبَل دولة يفترض أن تحترم الأعراف والقوانين الدولية والبروتوكولات السياسية؟! المرشد الأعلى الإيراني كذلك مثل حماس وزعيمها خالد مشعل، يُعارض ويُمانع انضمام فلسطين بكامل العضوية، حيث يقول: إن ذهاب الفلسطينيين إلى نيويورك لإعلان دولتهم ينهي «حق العودة والحق بأراضي 1948»، وتناسى أن الفرس في إيران لم تصل خدماتهم لتصدير الإرهاب إلى داخل أمريكا لاغتيال سفير إسرائيل في واشنطن -ولو أننا لا نريدهم فعل ذلك على الإطلاق- لأن هذا بجميع الأعراف الدولية إرهاب دولة منظم، ونحن جميعًا ضد قتل الأبرياء عربًا ويهودًا، مسلمين ومسيحيين... وغيرهم. الفلسطينيون مرة أخرى تفرّقوا، وأصبحت مشكلاتهم بين بعضهم البعض لا تنطلي على شعبهم المغلوب على أمره والمنهك، والذي عانى انقسام وتناحر وجحود أبنائه في الضفة والقطاع، والبركة بشبكة التواصل الاجتماعي التي أصبحت الآن بالمرصاد. ولكن إلى الآن ما زال البعض من الفلسطينيين يريدون فقط الاتفاق على الغنائم والمكاسب على الأرض، ولا يهم البعض منهم لا وطن ولا شعب. احتجاز أسرى إسرائيليين، مرة أخرى، ليس بالعمل البطولي بل إنه يجر الويلات والهلاك لشعب بأكمله. فالمنطق يقول لنا: إنه ليس من المنطق أن بني آدم واحد يساوي مئات البني آدميين من الفلسطينيين!!. هل أصبحنا نحن العرب بهذه الدرجة من الرخص، مجرد شخص واحد يعادل ألف عربي منا، ما هذه المهزلة والضحك على الذقون؟ فالمنطق يقول لنا: إنه لا فرق بين حماس وحزب الله في لبنان عندما يأتي الموضوع على تبادل الأسرى، فإسرائيل تُدمِّر لبنان بأكمله بسبب تصرفات زعيم حزب الله غير المسؤولة، وتسترد بعده رفات أسرى إسرائيليين في لبنان وجاسوس، والنتيجة إخراج مجموعة بسيطة من أصحاب العمائم والبقية ليست مهمة. إذن إذا استمررنا على هذا المنوال فان البني آدميين العرب في المستقبل لن يساووا شيئًا، ولن تقوم لهم قائمة، ولن يُحترموا من قِبَل شعوب الأرض بسبب تصرفات صبيانية عبثية تجعل العربي لا يُساوي ظفرًا واحدًا من أظفر شاليط وغيره من اليهود.. إنها بالفعل مهزلة وعلى الشعب الفلسطيني أن يضع قائمة بأسماء من قاموا بتلك التصرفات غير المحسوبة للبعض من تلك الرموز لمن أساءوا لهم كشعب يبحث عن وطن ودولة لكي يمارسوا حياتهم العادية، مثلهم مثل بقية البشر بعيدًا عن العنترية واتخاذ القرارات المصيرية أحادية الجانب. نخلص إلى القول: إنه إذا كُنَّا نحن العرب سوف نُصبح في يوم وليلة لا نُساوي شيئًا، حينها فإن عالمنا العربي سوف يتدمر بسبب رموز تنظيمات وأحزاب لا يحسبون للعواقب أي حسابات، ولا يُقدّرون مدى الضرر الجسيم الذي سوف يقع عليهم وعلى مواطنيهم وأوطانهم، ولكن يبدو أن حب الكراسي والزعامات تغلب على مصالح الشعوب والأوطان حتى لو استبدل من العرب عشرات الآلاف مقابل يهودي واحد.