سعود الريس - الحياة اللندنية هل أنت عاطل عن العمل، فقير، لا تملك تلفزيون led 60 بوصة في منزلك، سيارتك لم تتمكن من استبدالها خلال السنوات ال10 الماضية، مضطهد، لم تتمكن من السفر في إجازة الصيف، تود أن تفطر «كرواسان» ولا تجد إلا «بيضاً بالجبن» او كبدة مقلية؟ لا تشغل بالك كثيراً بالأمر، فبحسب «مفكرين ومثقفين»، إذا كان اي مواطن لديه من الأعراض السابقة ويشعر أن لديه «احتقاناً مزمناً» فليس عليه سوى حشد مجموعة ممن لديهم الاحتقان ذاته والتوجه إلى أقرب مركز أمني برفقة أسلحتهم بغض النظر عما إذا كانت مرخصة أم لا، وإطلاق النار عشوائياً وإصابة أو قتل كل من يقابلهم من رجال الأمن، ومن ثم العودة إلى منازلهم آمنين! بطبيعة الحال أنا لا أقر ذلك، وأيضاً لا اعتقد بأن هناك عاقلاً يقره، أو كنت كذلك إلى أن تابعت مثل غيري الأحداث المؤسفة التي وقعت في «العوامية» (شرق السعودية) وأسفرت عن إصابة عدد من رجال الأمن، وما تبعها من بيان لوزارة الداخلية وردود فعل شعبية. بيان الداخلية كان واضحاً لا لبس فيه، فهو يشير صراحة إلى حزم متوقع وغير مستغرب حفاظاً على الجانب الأمني للبلاد، وفي سياق البيان، أشار ضمناً إلى إيران بأنها أوعزت لمن قام بذلك العمل للمساس بأمن الوطن واستقراره، وطالبت الداخلية ذوي مفتعلي تلك الأزمة «من العقلاء ممن لا نشك في ولائهم أن يتحملوا دورهم تجاه أبنائهم». ذلك كان ملخصاً للبيان، ومن يتمعن فيه يدرك أن المقصود هم فئة قامت بعمل إجرامي أو إرهابي أو سموه ما شئتم استهدفت امن البلاد، لكن لم يتهم أهالي القطيف أو أبناء المذهب الشيعي بأن جميعهم ولاؤهم لإيران مثل الادعاءات التي أعقبت صدوره، بيد أن «باب» كاد المريب أن يقول خذوني مفتوح، لذلك خرج مجموعة من المحسوبين على مثقفي الشيعة في منطقة القطيف تصدياً للبيان والاستخفاف به، بل وحتى شتمه متهمين إياه بتأجيج الطائفية! فخرج من خرج على وسائل الإعلام الإيرانية ليؤكد أن اتهام إيران غير صحيح، تخيلوا يخرج على تلك المحطة ليبرئ إيران، ويقول إن البيان يؤجج الطائفية، وآخر يصف ما ورد في البيان بأنه كلام «سخيف ورخيص» معتبراً أن «الشعب» أعلن ألمه واحتجاجه، طبعاً بخلاف التعدي على شخصيات في الدولة وسلفيتها واتهامات أخرى لسنا في صدد الحديث عنها، فالمثير هنا هو السعي إلى شرعنة أعمال البلطجة والتخريب والإرهاب بحجة «الألم والاحتجاج وإهمال حقوق الناس»، ترى هل يعقل أن يخرج هذا الكلام من مفكر أو مثقف أو سياسي؟ شخصياً لا أعتقد، ما لم تكن هذه أيضاً بلطجة فكرية وثقافية وسياسية. لكنني أيضاً وعلى رغم كل ذلك سأحترم من قالها ولن أقول عن حديثه انه «رخيص وسخيف»، بل سأكتفي بالإشارة إلى أن إثارة الحديث الطائفي الذي أعقب البيان وتأجيجه تم إطلاقه من قبله ومن هم على شاكلته، من خلال إثارتهم النعرات الطائفية عبر كيل الاتهامات وفتح ملفات في غير وقتها متعمدين استفزاز الآخرين. ما يتضح مما سبق أن مثقفي الشيعة السعوديين في أزمة، فهم يعانون من مجموعة عقد تؤثر في طرحهم، ونظراً لأنهم الأكثر ظهوراً على الإعلام المرئي لاسيما المغرض من بين أبناء منطقتهم سواء كانوا علماء شيعة أو مواطنين فغالباً ما يخفقون في التعاطي مع أي حدث أو توظيفه لدعم اللحمة الوطنية، فتجدهم يغردون خارج السرب، بل وإنهم من خلال طائفية طرحهم وسطحية البعض الآخر يقطعون الطريق أمام علماء الشيعة المعتدلين للتصدي لأي مظاهر تطرف فيصبحوا أمام خيارين، لاسيما تلك الخيارات التي لا تقبل الحلول الوسط، فإما مع الدولة ونظامها القائم وشرعية إجراءاتها أو مع شعبيتهم المحيطة بهم، وهذا يؤدي بلا شك إلى نتائج عكسية حتى على رجل الشارع البسيط. الآن نعود للموضوع الرئيس، لنطرح هذا السؤال: هل فعلاً إيران مثلما قال هؤلاء المفكرون والسياسيون والمثقفون، و «جماعة هيهات منا الذلة وجماعة مع الخيل يا شقرا» لا علاقة لها بما حدث؟ الجواب: إذا كانوا بذلك يقولون فهم إما يكذبون أو يكابرون، أو فعلاً محتقنون!