أستطيع الآن أن أعترف بصراعات وخوالج كانت في نفسي، تبلورت على مدى ثلاثة عقود، ورأت النور بقرارات خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يوم الأحد 27 شوال 1423ه. كبرت وترعرعت ضمن مناهجنا ومجتمعنا، تحت عقلية أن وجوهنا وأصواتنا عورة، وأننا ناقصات عقل ودين بهذا الشكل المطلق. كنت أظن أن المرأة تأتي في درجة ثانية بعد الرجل بمعنى أنها لا تستطيع أن تتخذ قرارات لأنها «عاطفية»، وستطغى «العاطفة» على «العقلانية». وأنا في طور النمو الفكري والذي ينمو مع الإنسان طالما قرأ وبحث ودرس وتعلم من التجارب، بدأت تتبلور آرائي بأن الوضع في مجتمعنا لم يكن وضعًا طبيعيًّا أن يعطل نصف المجتمع عن المشاركة في تنميته، واقتنعت أن من عقوق الأم أن يكون ابنها الصغير وصيًّا عليها، وأن المرأة شأنها أكبر بكثير ممّا يدور حولي، وأن سيدات كن سببًا في تغيير مجرى التاريخ، من أمنا هاجر التي بأمر الله ودعوة سيدنا إبراهيم جعلت أفئدة من الناس تهوي إلى البيت العتيق. اكتشفت بعد حين الحقيقة أن المرأة فعلاً شريك للرجل، وأنها تستطيع أن توازن بين بيتها وعملها إن سمحت لها الظروف، وإن لم تسمح فهي مازالت وستظل تحمل أسمى رسالة، وهي أن تربي النشء، والرجل له القوامة وفضله الله لقوته الجسمية والإنفاق، وما عدا ذلك فإن سرد التاريخ لم يعطِ المرأة حقها، ربما لأنه من وجهة نظر ذكورية. واكتشفت أيضًا أن أمي كانت على حق في جمعها بين قدسية الأمومة والجهاد في سبيل الوطن. وأن ما أراه حولي من أفعال بعض البنات والسيدات أرى أن أحد أسبابه ردة فعل لمجتمع لم يمنح المرأة الثقة، وأن الغالبية من الأمهات والأخوات والزوجات يردن حياة كريمة ووطن شامخ. إن قرارات الملك عبدالله في رأيي لن تجعل هناك أي تردد أو شك أو صراع في نفوس بناتنا من قيمتهن، ودورهن في المجتمع. بل سيكبرن وهن يشعرن بمسؤولية الوطن من سن يافع دون أن يشكون في قدرتهن على التغيير والتطوير، والذي أخذ ثلاثة عقود من بنات جيلي حتى رأى النور هذا الأسبوع. ومهما بلغت اختلافاتنا ومواقفنا من مبادرات تمكين المرأة، فعلينا جميعًا أن نقف صفًّا واحدًا في وجه الصراعات المحيطة بنا، وتفعيل الوحدة الوطنية. لقد رفع الإسلام من قدر المرأة وانتشلها من ظلمات الجاهلية، ثم أتت سنوات عجاف قدر الله لمليكنا عبدالله أن يذكرنا بتاريخنا الإسلامي، بمواقف لا يمكن تهميشها، منها صواب الرأي والمشورة منذ عهد النبوة. أيُّها الملك المحبب في نفوسنا لك السمع والطاعة، ونعدك أن نجاهد لنكون أهلاً لتلك الثقة إن شاء الله. أسبل الله عليك لباس الصحة والعافية، وحفظك الله للعلم والوطن.