د. عبد اللطيف القرني - الاقتصادية السعودية جاء في حكم وقصص الصين القديمة أن ملكا أراد أن يكافئ أحد مواطنيه فقال له: امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيرا على قدميك.. فرح الرجل وشرع يذرع الأرض مسرعا ومهرولا في جنون .. سار مسافة طويلة فتعب وفكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها، لكنه غير رأيه وقرر مواصلة السير ليحصل على المزيد، سار مسافات أطول وأطول وفكر في أن يعود للملك مكتفيا بما وصل إليه، لكنه تردد مرة أخرى وقرر مواصلة السير ليحصل على المزيد والمزيد، ظل الرجل يسير ويسير و لم يعد قط، فقد ضل طريقه وضاع في الحياة. ويقال إنه وقع صريعا من جراء الإنهاك الشديد، لم يمتلك شيئا ولم يشعر بالاكتفاء والسعادة لأنه لم يعرف حد الكفاية (القناعة). النجاح الكافي صيحة أطلقها لوراناش وهوارد ستيفنسون يحذران فيها من النجاح الزائف المراوغ الذي يفترس عمر الإنسان فيظل متعطشا للمزيد دون أن يشعر بالارتواء. متى يجب أن نقول لا في الوقت المناسب ونقاوم الشهرة والأضواء والثروة والجاه والسلطان؟ إن المسلم في هذه الحياة مطلوب منه التخطيط والموازنة بين متطلبات الروح والجسد والواقع والطموح وإيجاد قدر متوازن بينهما بحيث لا يطغى جانب على جانب، فالذي يعيش للواقع يجد أنه يصطدم بعقبات المشكلات المستقبلية، خاصة في الجوانب المالية لأنه يعيش ملكاً في اليوم، لكنه في الغد يعيش عيش البؤساء، ومن الناس من طغى عليه اللهث المادي فأصبح أسيرا للمستقبل وظل يمشي في حياته من دون التفات للذات البشرية مما حرمه لذة الانسجام النفسي والاستمتاع الحياتي. والطموح مصيدة.. تتصور أيها القارئ الكريم أنك تصطاده.. فإذا بك أنت الصيد الثمين.. لا تصدق؟! ويحكى أن صديقين ذهبا للصيد .. صديقان يصطادان الأسماك فاصطاد أحدهما سمكة كبيرة فوضعها في حقيبته ونهض لينصرف.. فسأله الآخر: إلى أين تذهب؟! فأجابه الصديق: إلى البيت لقد اصطدت سمكة كبيرة جدا تكفيني.. فرد الرجل: انتظر لتصطاد المزيد من الأسماك الكبيرة مثلي.. فسأله صديقه: ولماذا أفعل ذلك؟! فرد الرجل.. عندما تصطاد أكثر من سمكة يمكنك أن تبيعها.. فسأله صديقه: ولماذا أفعل هذا؟ قال له كي تحصل على المزيد من المال.. فسأله صديقه: ولماذا أفعل ذلك؟ فرد الرجل: يمكنك أن تدخره وتزيد من رصيدك في البنك.. فسأله: ولماذا أفعل ذلك؟ فرد الرجل: كي تصبح ثريا.. فسأله الصديق: وماذا سأفعل بالثراء؟! فرد الرجل تستطيع في يوم من الأيام عندما تكبر أن تستمتع بوقتك مع أولادك وزوجتك.. فقال له الصديق العاقل هذا هو بالضبط ما أفعله الآن ولا أريد تأجيله حتى أكبر ويضيع العمر.. إنها الموازنة بين متطلبات النفس البشرية والطموحات المستقبلية، لذلك جاءت السنة النبوية بكشف المعاني النفسية بأبلغ عبارة وأجمل كلام كما في قوله - صلى الله عليه وسلم ""لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون له ثالث ولا يملأ فاهه إلا التراب ويتوب الله على من تاب) أخرجه الترمذي. أيها القارئ الكريم اجعل حياتك وسطا في تلبية الاحتياجات اليومية والطموحات المستقبلية وفق خطط مدروسة بحيث تكون الموازنة هي الأساس بينهما فلا يطغى جانب على جانب، واحرص على المعرفة والعلم فهو مقياس النجاح وإشارة الفلاح، ولا ترفض الجديد لأنه جديد، بل خض غمار البحار بحثاً عن كل تجربة جديدة أو فائدة معرفية أو علاقة اجتماعية. يقول إدوارد دي بونو أفضل تعريف للتعاسة هو أنها تمثل الفجوة بين قدراتنا وتوقعاتنا.. والإشكال أن نعيش في هذه الحياة بعقلية السنجاب.. فالسناجب تفتقر إلى القدرة على التنظيم رغم نشاطها وحيويتها.. فهي تقضي عمرها في قطف وتخزين ثمار البندق بكميات أكبر بكثير من قدر حاجتها. أتمنى لكم الحياة الهادئة والسعادة الدائمة في الدنيا والآخرة.