د.يوسف بن أحمد القاسم - الاقتصادية السعودية منذ شهور ونظام الأسد ومرتزقته يستبيحون كل المحرمات، من إهراق الدماء، وانتهاك الأعراض، واستباحة الحرمات، والشعب السوري صابر محتسب، وليس هذا بغريب على شعب عرف بالخير والصدق والشجاعة، كما أنه ليس بغريب على نظام له تاريخ حافل في القمع والقتل والتعذيب.. ولكن الغريب أن تراهن دولة مثل روسيا والصين على النظام السوري، وتقف معه ودماء السوريين تقطر من أيدي النظام ومرتزقته..! لقد راهنت هاتان الدولتان على النظام الليبي، فسقط في طرابلس فور وصول الثوار بيوم واحد، وبعد أن استخدم ذلك النظام المخلوع كل أنواع القمع، والترهيب، وها هما الآن يعيدان الكرة، فيراهنان على النظام السوري، الذي لن يستمر طويلاً إزاء صمود الشعب السوري، وإصراره. إننا نعرف جيداً ما تحتفظ به هاتان الدولتان من تاريخ إزاء بعض الدول والأقليات، وهذا لا يخفى على متابع، ولكن لماذا تقف هذه الدول التي تدعي التحضر، وحماية حقوق الإنسان، لماذا تقف موقفاً سلبيا مع نظام يترنح، وهو يذبح ويعذب الإنسان السوري على مرأى ومسمع من العالم..؟ السبب هو أن الذاكرة العربية تنسى سريعاً، وصوت العاطفة هو الذي يغلب، فها هو المجلس الانتقالي الليبي يجلس مع الروس والصينيين على طاولة واحدة، وفي مؤتمر أطلق عليه أصدقاء ليبيا، فكيف أصبحوا أصدقاء في لحظة عين، وقد كانوا يقفون مع القذافي في خندق واحد؛ حيث كانوا العضد الأيمن السياسي على الصعيد الدولي، وكانت الدماء الليبية حينها تراق في البيوت والطرقات..؟ بل بلغت الصفاقة حدها حين دعت إحداهما المجلس الانتقالي إلى عاصمتها بعد أن وقفتا مع النظام القذافي حتى شارف النهاية..! لذا لم يتردد الروس والصينيون في الوقوف مع النظام السوري؛ لأنهم سيعيدون نفس المشهد، وبالصفاقة ذاتها.. لقد خرج الشعب السوري ثائراً مطالباً بإسقاط نظامه القمعي، ورافعاً شعار الكرامة، والحرية، ففهم النظام السوري أنها حرية القمع، ولغة الدم، فاستباح الدماء، والأعراض، والحرمات، فهل تعزز حكومات الدول العظمى هذا النوع من الحريات..؟ وإن استمرت في دعم حريات القمع والتعذيب، فسيستمر مسلسل الفشل السياسي والأخلاقي لهذه الدول، وستضع نفسها في موقف سيئ تجاه هذه الشعوب المنكوبة. ومع انتهاء جذوتي ثورتي تونس ومصر، وشارفت ثورات أخرى على الانقضاء كثورة ليبيا، فإن على الشعوب الثائرة المحافظة على هويتها الإسلامية، والتمسك بالإسلام كمصدر وحيد للدولة، فإن شعوب تلك الدول تحظى بمحافظتها، والتزامها بدينها، وحرصها على هويتها الإسلامية، وأصحاب الأديان الأخرى لا يمثلون في تلك الدول إلا أقلية، وهم يحظون في الدولة الإسلامية بكل ما لهم من حقوق، كما يلتزمون تجاه الدولة بكل ما عليهم من واجبات. لقد وقعت ثورات عديدة في أزمان مضت، ولم تنجح منها، ويستمر إلا ما رفعت لواء الإسلام، وكلمة التوحيد، وأخفقت كل الثورات الأخرى، التي رفع بعضها شعار البعث، أو شعار القومية، أو شعار الاشتراكية، أو غيرها من الشعارات، فمنها ما قضت نحبها، ومنها ما تنتظر، ولذا، فإن على الثورات التونسية والمصرية والليبية وكل الثورات القائمة أن تجعل الإسلام المصدر الوحيد للتشريع في الدولة، الذي تدين له كل الشعوب بالطاعة، وألا يكون هذا المصدر مفرغاً من حقيقته، فالشعوب الآن لديها وعي كبير، فلن ترضى بأحزاب تنحّي الإسلام جانبا، ولن ترضى برجالات يقفزون على حقائق الإسلام الثابتة، وشعائره الظاهرة، فليقف الساسة في المجالس الوطنية والانتقالية إلى شعوبهم، ولا يحاولوا إقصاء السياسي ذي الانتماء الإسلامي، فإن عهود كهذه ولت إلى غير رجعة - بإذن الله تعالى، وأرجو ألا نرى في كل الدول العربية إلا اهتماماً بالإسلام وشعائره، وعناية بمُثُل الإسلام وقيمه، ومحافظة على حقوق الفرد والمجتمع، وجذب الكفاءات في مراكز صنع القرار، ونبذ كل أساليب العنف والإقصاء، وطرح ذلك كله في مزبلة التاريخ.