كمية أخبار العنف في هذا العيد كانت مرتفعة نوعا ما, فإضافة إلى محيطنا العربي المطوق بهدير الشوارع والدماء والرصاص الذي يخترق جسد الشعوب العربية وهي تنهض وتشهق بأولى نسمات الحرية. محليا سنجد أن العنف كان له مساهمة ملفتة في فعاليات العيد لدينا, ففي مطار جدة مثلا بدلا من أن يمد بعض المعتمرين أيديهم بأرقام التذاكر والحجوزات لمسؤولي المطار والحجز, فإن ردها بشدة كسبيل وحيد لإنهاء الإجراءات داخل فوضى أفضت بهم للتلويح بقبضاتهم كوسيلة أنجع من بطاقة صعود الطائرة. المشهد مزعج بل مؤلم لناحيتين الأولى كونهم ضيوفا للرحمن وعلى الوطن من ناحية , ومن ناحية أخرى غياب القيمة الإنسانية عن الموضوع , لنجد في النهاية أن مطار جدة يضيف حادثة أخرى على قائمته المضيئة داخل تلك الصالتين المنكوبتين اللتين هما واجهتنا أمام العالم كله, وحتما سيحمل المعتمرون ندوبا في أعماقهم تخدش روحانية عمرتهم الرمضانية. بينما في الرياض نشرت الصحف أن بعض النساء لجأن للعض وما يشبه الركل اثناء مشاركتهن في الفعاليات الاحتفالية, وبررن ذلك بعدم حصولهن على مقاعد نتيجة لارتباك وقصور في التنظيم. العنف يعبر عن طاقات غضب مكبوتة وحنق متراكم نتيجة إحساس بالغبن أو عدم الوصول للاستحقاقات عبر القنوات المتاحة , والعنف يعكس حالة تدهور حضاري , كونه يهدم كل الإرث الإنساني في التواصل ويستبدله بلغة الناب والمخلب والعض والركل لحارسات الأمن. وعندما نقول (حارسة أمن) على الغالب تكون فتاة بسيطة بلا أي خبرة أو تدريب ( أعرف مؤسسات لديهن فتيات يعملن حارسات أمن وصبابات على حسب الحاجة ) وبالتالي تلك الفتاة البسيطة تتخيل أن كلمة ( أمن ) هي موجهة ضد الجماهير الغوغائية والتي لابد من ضبطها بالحزم والقسوة والأوامر التي على الغالب يغيب عنها الذوق وتختفي اللباقة واللين , هذا التعامل المهين لابد أن ينتج عنه في المقابل ردود فعل عنيفة. يصاحب هذا عدم تقدير الجهات المنظمة للطاقات الاستيعابية لأماكن الاحتفال لأنه وبصورة فورية مع ارتفاع العدد لابد أن تغلق البوابات المستقبلة بلا نقاش , فالتكدس والزحام هو نطاق خطر وخارج عن السيطرة. التعامل مع الحشود مهمة صعبة ومسؤولية دقيقة , وحتى في أكثر الدول تحضرا وحرصا على الدقة والنظام فإننا نسمع أحيانا عن كوارث ناتجة عن الزحام والتدافع نتيجة لأخطاء أو هنات ميدانية بسيطة. بل إن إدارة الحشود هي علم بات يدرس له شروط وقوانين صارمة تبتدئ من الابتسامة التي ترسم على وجه الموظف الذي يواجه الجماهير , والمساحة المكانية والزمنية المتاحة لكل شخص , انتهاء بالمسارات ومنافذ الدخول والخروج وسلاسة سير الصفوف وعدم تكدسها من خلال الحرص على سرعة تقديم الخدمة مع جودتها , في نفس الوقت الذي يتبادل فيه الموظف و(متلقو الخدمة) المشاعر الايجابية عندما يمرر له الموظف رسالة بأنه موجود هنا لخدمته وتسهيل أموره , وليس كي يمارس ضده أنواعا عجيبة من السادية والتأفف وشراسة الخلق. استراتيجيات إدارة الحشود , والتنظيم , وحسن الخلق , والصبر.. قائمة طويلة نحتاجها لمواسم ناجحة تمر دون ضرب وركل وعض.