تشهد صناعة النقل الجوي في العالم نموا سريعا ومتواصلا بحيث أصبحت تخدم اليوم ما يقارب الثلاثة مليارات نسمة كما أنها تتأثر سلبا وإيجابا بتقلبات الاقتصاد العالمي صعودا وهبوطا فضلا عن حساسيتها الزائدة وتأثرها المباشر بالصراعات والحروب، كما تؤكد التقارير أن منطقة الشرق الأوسط تمثل أكثر المناطق نموا في حركة النقل الجوي بنسبة تقارب 10% سنويا. وإذا تطرقنا إلى صناعة النقل الجوي بالمملكة نجد أنها تتسم بخصوصية كبيرة وأهمية قصوى ذلك لأن المملكة تُعد بمثابة قارة من حيث المساحة الشاسعة المترامية الأطراف، وإذا أخدنا في الاعتبار أيضا أن وسائل المواصلات والنقل وخاصة خطوط السكك الحديدية لا تزال محدودة، يضاف إلى ذلك النمو الاقتصادي السريع والمشاريع التنموية الكبرى في جميع أنحاء المملكة فضلاً عن الصروح العلمية والطبية المنتشرة في كل مكان من أرجاء الوطن بالإضافة إلى ارتفاع مستوى معيشة المواطنين بفضل ثمار التنمية المباركة في بلادنا، كل هذه العوامل رفعت مستوى الإقبال على السفر جوا إلى معدلات قياسية تفوق كثيرا الإمكانات المتاحة للخطوط السعودية.. من هنا جاء القرار الحكيم لحكومتنا الرشيدة رعاها الله بفتح المجال لعدد من الشركات للعمل على القطاع الداخلي جنبا إلى جنب مع الخطوط السعودية إلا أن معظم هذه الشركات سرعان ما توقفت أو تحولت إلى التشغيل الدولي لأسباب عديدة لعل من أهمها تدني أسعار التذاكر الداخلية وارتفاع تكلفة التشغيل. وحينما نتطرق إلى الخطوط السعودية، نجد أنها تميزت بوضع فريد حيث واكبت تأسيس هذا الكيان الكبير وقامت بدورها لما يقارب السبعين عاما في ربط أرجاء المملكة وخدمة خطط التنمية والتبادل التجاري بين المملكة والعالم.. وبعد عقود من انطلاقتها بدأت الخطوط السعودية في مواجهة تحديات كبيرة تمثلت في الإقبال الهائل على السفر جوا والنقص المعروض من السعة المقعدية فضلا عن ارتفاع التكاليف التشغيلية لصناعة هي الأكثر تكلفةً على مستوى العالم. من جانب آخر، فإن تشغيل الخطوط السعودية بين 26 مطارا داخليا في مختلف أنحاء المملكة يجعل منها أكبر ناقل داخلي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا، يضاف إلى ذلك مواسم الحج والعمرة وما تتطلبه من عمليات تشغيلية مكثفة لخدمة حركة السفر الكبيرة خلال هذه المواسم الأمر الذي يزيد من الضغوط والتحديات أمام الناقل الوطني.. يضاف إلى ذلك ثبات الأسعار الداخلية دون تحريك لأكثر من 16 عاما بحيث لا تقارن بالأسعار الداخلية المطبقة في عدد من البلدان.. وعلى سبيل المثال يبلغ سعر التذكرة على قطاع الرياضالقريات 430 ريالا بينما يبلغ السعر لنفس المسافة بين كراتشي وإسلام أباد 675 ريالا، وفي نفس الوقت فإن سعر التذكرة بين جدة والطائف 110 ريالات بينما سعر التذكرة على نفس المسافة بين بالما وأبيزا 577 ريالا كما أن سعر التذكرة بين الدمام وأبها 390 ريالا بينما السعر لنفس المسافة بين مومباي ودلهي657 ريالا هذا بينما يبلغ السعر بين الباحةوجدة 120 ريالا في الوقت الذي يبلغ فيه لنفس المسافة بين لندن ومانشستر 690 ريالا.. وإذا أخذنا في الاعتبار تقادم العديد من الطائرات وخروجها من الخدمة مثل طائرات الترايستار والإيرباص وبوينج 747/100 وعدد من طائرات بوينج 747/300 وإم دي 90، نُدرك حجم هذه التحديات والصعوبات. ومنذ تشرفي بالثقة الغالية لإدارة هذا الصرح الوطني، كان لا بد من المواجهة الشاملة والعلاج الجذري الحاسم لكافة الصعوبات حيث تم وبدعم وتوجيه كريمين من صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام رئيس مجلس إدارة الخطوط السعودية أيده الله وبمتابعة مساعده لشؤون الطيران المدني وفقه الله ومساندة الفريق التنفيذي بالمؤسسة، وضع خطة استراتيجية لتطوير البنية التقنية والتحول إلى النظام التقني الشامل في الأداء والخدمات وتحديث الأسطول بالاستحواذ على 82 طائرة جديدة تسلمنا منها 50 طائرة حتى الآن تم دمجها في المنظومة التشغيلية للمؤسسة في فترة قياسية لا تتجاوز 17 شهرا بما يؤكد ما لدى المؤسسة من كوادر وطنية عالية الكفاءة والمستوى إلى جانب التخطيط لشراء 50 طائرة أخرى حال التوصل إلى أفضل برامج للتمويل. ولأن خدمة الحركة المتنامية على القطاع الداخلي ظلت هي التحدي القائم والمستمر فقد تم ومع بداية موسم الصيف لهذا العام، زيادة السعة المقعدية بما يقارب المليوني مقعد من خلال زيادة الرحلات بين المدن الرئيسية في الرياضوجدةوالدمام والمدينة المنورة وأبها وكافة مناطق المملكة مع زيادة كبيرة للرحلات على بقية المحطات الداخلية يضاف إلى ذلك ما تم تطبيقه من زيادة غير مسبوقة لعدد الرحلات بين الرياضوجدة بتشغيل رحلة على رأس الساعة في كل اتجاه بإجمالي 36 رحلة يوميا حيث يمثل هذا القطاع نسبة 25% إجمالي الحركة على القطاع الداخلي بالإضافة إلى ما سبق تشغيله من رحلة كل ساعتين بين جدةوالدمام في كل اتجاه ورحلة بين الرياضوالدمام كل ساعتين ونصف في كل اتجاه حيث تمثل الحركة بين المطارات الرئيسة الثلاث ما نسبته 40% من إجمالي الحركة على القطاع الداخلي. الخطوط السعودية حققت خلال النصف الأول من عام 2011 معدلات تشغيلية قياسية حيث نقلت (9,915,578) مسافرا على متن (73,54) رحلة مقارنةً ب(8,712,668) مسافرا و(68,753) رحلة خلال نفس الفترة من عام 2010 وذلك بنسبة زيادة 14% في أعداد المسافرين و7% في أعداد الرحلات حيث يتضمن هذا المعدل التشغيلي نقل (5,683,437) مسافرا على القطاع الداخلي خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام مقارنةً ب(5,038,170) مسافرا خلال نفس الفترة من عام 2010 بزيادة (645,267) مسافرا وبنسبة 13% وذلك على متن (47,622) رحلة مقارنةً ب(45,317) رحلة لنفس الفترة من 2010 بزيادة (2,305) رحلات ونسبة 5%، علما بأن القطاع الداخلي استحوذ على نسبة 57% من إجمالي الحركة المنقولة خلال هذه الفترة وكذلك على نسبة 65% من إجمالي الرحلات التي تم تشغيلها خلال النصف الأول من هذا العام، كما بلغت نسبة انضباط مواعيد الرحلات 86% بينما تتوزع نسبة التأخير البالغة 14% لتشمل 25% للأحوال الجوية و34% للخدمات الفنية و12% للعمليات التشغيلية بالإضافة إلى 29% للأسباب الأخرى التي تشمل ازدحام المطارات والممرات الجوية والإجراءات الأمنية والخدمات الأرضية وغيرها. ولقد واكب هذه الجهود كذلك، تطبيق أحدث النظم العالمية في خدمات الركاب بهدف تبسيط إجراءات السفر وتوفير وقت وجهد المسافرين حيث يمكن للمسافر وبشكل ذاتي إجراء كافة عمليات الحجز وشراء التذاكر واختيار المقاعد والوجبات وإصدار بطاقات الصعود للطائرة من أي مكان سواء كان بمكتبه أو منزله ثم التوجه مباشرة إلى بوابة المغادرة بالمطار، يضاف إلى ذلك توفير الأجهزة الآلية لإصدار بطاقات صعود الطائرة بكافة المطارات الداخلية ومكاتب المبيعات وما يُثلج الصدر أن نتائج هذه الخدمات الذاتية فاقت كل التوقعات وأكدت الإقبال الكبير للمسافرين على الاستفادة من خدماتنا التقنية ويكفي أن نعلم أن حجم المبيعات عبر الإنترنت خلال النصف الأول من هذا العام بلغ (616.074.683) ريالا مقابل (119.150.179) بزيادة (496.924.504) ريالات بنسبة زيادة 417% بل إن هذا المعدل لستة أشهر فقط، زاد عما تم تحقيقه خلال العام الماضي بأكمله بنسبة 35%. ونتطلع إلى استكمال مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة والذي سيكون له بإذن الله الأثر الإيجابي في راحة المسافرين وتقليص تكاليف التشغيل حيث سيكون بمثابة مطار محوري لخدمة الحركة الكبيرة بين الشرق والغرب، كما نتطلع أيضا إلى إنشاء مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز بالمدينة المنورة وتطوير وتوسيع مطار الملك خالد الدولي انطلاقا من الارتباط المباشر بين نمو الحركة الداخلية على الخطوط السعودية وبين مرافق المطارات وبخاصة الصالة الداخلية بمطار الملك خالد الدولي.