نجيب الزامل - الاقتصادية السعودية * رسالة إلكترونية لم أغير فيها إلا ما تتطلبه قواعدُ اللغة، اخترت نشرها في رمضان الكريم: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اسمي "روضة" من غزة، فلسطينية أقيم حاليا بالمملكة. أظنك الآن أيها الأستاذ الإنسان تود أن تشيح نظرك عن رسالتي، وعن قلبك العربي السعودي الذي لم ير جدوى من تحَمّل آلامنا كفلسطينيين وغزاويين بالذات.. فقرر أن يطلب العافية والسكينة في الجري وراء محطات تعطي السقوط والإسفاف حلا يائسا لتغطية تأنيب الضمير.. وهذا حال الجميع في الوطن العربي من الخليج إلى المحيط (حتى هذا الوصف لم يعد له إلا معنى جغرافيا ساذجا خاليا من أي معنى، أنه إما نكتة كبرى أو دمعة كبرى.. اختر أيهما، لا يهم.) ربما ستقول لقرائك عن مختصر الرسالة، وأنك عدلت في أسلوبها الركيك، وأصلحت أخطاءها النحوية، وصوّبت الإملاء.. وهذا لا يهم. إني أكتب إليك بإيعاز من يأسي منك، ومن أمثالك من العرب، لا تحنق عليّ، هذه هي الحقيقة، لم يعد مجديا أن يصرف أي غزاوي نقطة أمل في إصلاح حالكم، ليس من أجلنا، ولكن من أجل الله.. أكتب إليك ما أحسبه سيكون مجرد كلام في رسالة من ضمن آلاف ما يصلك من رسائل. ولعلك تفتحها وربما رأيت إلغاءها لأن عنوان رسالتي كما رأيت: "احذر! قنبلة غضبٍ فلسطينيةٍ في الداخل"، على أني كما رأيتَ غيرتُ العنوانَ عبر السطور إلى اليأس.. فالعرب، وأنت أيضا، لا تستحقون الغضبَ النبيل.. آسفة يا أخي أني أهاجمك بشدة، وقد تظن أني حاقدة عليك، لا والله، ولكنك الوحيد الآن الذي أظن ظنا بسيطا أنه من الممكن أن يتحمل مني ما سيخرج من دم وقهر ودموع وضعف ومهانة.. ولأن "ناجي" و"سلمى" وكتاباتك الإنسانية والمعلوماتية الأخرى تجعلني مثل غيري من غير السعوديين يتجهون لقراءتك.. ولكني لا أفهم لم تناولت الشأن الصومالي والسوري والبحريني والليبي والمصري واليمني، ولا تتناول الشأن الفلسطيني، وكأن الذي يحدث لنا يحدث في بلاد تركب الأفيال، أو تبعد ملايين الأميال.. أليس الدم دمك؟ أليس اللحم لحمك؟ أليس الشرف شرفك؟ ألسنا أبناء جلدتك؟ ألسنا مسلمين مثلك؟ هل دمنا ماء مسفوح بعد الغسيل؟ هل نحن عالة على سعادتكم الخلابة؟ هل نحن قذى في العيون؟ هل سلمى أهم مني؟ أو أروع من "أمل" ابنة حارتنا التي في عمر سلمى وفقدت ذراعها وعقلها، وقد تكون "أمل" حتى أذكى وأنبل وأرفع خلقا وأصح دينا.. لا، أنا لا أغار من سلمى، ولكني أريد أن ترى بالعين الأخرى ألف بنت هنا، وألف ألف تعتبر حياة سلمى بالنسبة لهن حلما ورديا.. أوه نسيت، سلمى أبوها سعودي(!) وهجرها. أما أنا وألف ألف فلسطينية في عمر سلمى فآباؤنا فلسطينيون ولم يهجرونا.. هل رأيت كيف كان يُهرَس لحمُنا كل يوم، وتتطاير لحومُ أطفالنا الرضع؟ هل رأيت كيف كانت النارُ بدل السماء هي التي كل يوم فوق رؤوسنا؟ هل رأيت أبناءَ اليهود يضعون جزماتهم (كتبتها صرماياتهم) الدنسة فوق أشرف وأقدس ما نملك؟ إننا لا نعيش يا نجيب (بلا "أستاذ"، فلا تغضب فمقامك محفوظ) إننا شعبٌ برسم الموت كي يمكنكم أن تضجعوا براحة وبلا منغّصات، لأني أعترف أن ضمائركم تقرصكم من أجلنا، وهذا يؤذيكم وتودون منه الخلاص! هل أكتب لك عن التواطؤ والخيانة والذل.. ولكن من قصيرها إن نشرت الرسالة فلن تنشر ما كنت سأقول، وأن نشرتَها في يقظة ضمير فلن تُنشر.. أنت تعرف، وأنا.. وكلنا نعرف. نجيب .. أرجوك، قل لمن يصنفون، وينصحون.. قل لهم هذا: نحن لا نقتل أنفسنا بل نطلب الحياة لأهلنا من بعدنا. ولا يكون حراما أن يترك اليهود يلغون بالدم والشرف والمقدسات وأنتم تنظرون ولا تقومون حتى بأضعف ما يتطلبه الإيمان؟! أختك الفلسطينية الغزاوية: روضة". انتهت رسالة روضة. روضة أختي الغزاوية: نشرتُ، وتأثرتُ، وأسفتُ. أتظنين أني عاجزٌ يا روضة؟ بل أنا أكثر عجزاً من العاجزين!