انباؤكم - الطاهر إبراهيم قامت أجهزة الأمن السورية التي تأتمر بأوامر الرئيس السوري "بشار أسد" وشقيقه ماهر بتدمير مدينة جسر الشغور وقتل العديد من شبابها، ما اضطر معظم أهلها إلى اللجوء لتركيا ، خصوصا النساء والأطفال وكبار السن. بعدها توجهت هذه الأجهزة نحو جبل الزاوية، فلا يكاد يمر يوم إلا ويسقط فيه عدد من الشهداء في هذه القرية أو تلك من قرى الجبل، ما جعل اسم جبل الزاوية يقفز إلى صدارة نشرات الأخبار في كبرى القنوات الفضائية. لكوني واحداً من أهالي هذا الجبل، وجدت من المفيد بل ومن الواجب أن ألقي الأضواء على هذا الجبل الذي كتب عليه أن يفتتح بواكير الثورات ضد الفرنسيين عندما احتلوا سورية عام 1920، وأن يكون ثاني بقعة سورية تتعفر تربته بدماء الشهداء ضد فرنسا بعد دماء "يوسف العظمة" وزير الدفاع السوري البطل وجنوده البواسل عندما خاضوا معركة الشرف والبطولة على تراب "ميسلون" ضد جيش الجنرال "غورو" في 24 تموز 1920. قاد الزعيم "إبراهيم هنانو" معركة الشرف والبطولة مع رجال قرى جبل الزاوية. ولم يكونوا يحملون من السلاح إلا "البواريد" القديمة. لكنهم صبروا وصمدوا بشجاعة. وقد استطاع ثوار جبل الزاوية أن يوقعوا بالفرنسي المحتل خسائر فادحة، ما كان له أن يحتملها جنوده، لأنهم ظنوا أنهم جاؤوا للتنعم بخيرات سورية. وقد أطلق أهل جبل الزاوية اسم "الجتا" على ثورتهم هذه، وربما أخذت الكلمة من اللغة التركية. هذه الثورة ما كان لها أن تعمر طويلا، واضطر "هنانو" أن يعقد صلحا مع المحتل الفرنسي، لأن ميزان القوى كان مختلا. وقد أظهر رجال جبل الزاوية بطولات حكاها لنا أجدادنا الذين شاركوا في تلك الثورة. اليوم يعود اسم جبل الزاوية ليحتل صدارة الأخبار اليومية. فما الذي دفع أجهزة الأمن حتى تغزو هذا الجبل وتوقع في أهله قتلا واعتقالا، وتطوق دبابات الفرقة الرابعة هذه القرى؟ في بدايات شهر حزيران، طوقت دبابات ماهر أسد مدينة "جسر الشغور" توطئة لاجتياحها، فاستنجد شباب جسر الشغور بشباب قرى جبل الزاوية، فهب هؤلاء لنجدة إخوانهم، لكنهم ما استطاعوا الوصول إليهم، فقد قطعت قوات ماهر أسد الطريق الواصل بين قرى جبل الزاوية ومدينة جسر الشغور. اضطر شباب "جسر الشغور" المنتفضون أن يلجؤوا إلى شعاب قرى جبل الزاوية، ورفضوا أن يلجؤوا إلى تركيا، مثلما فعل النساء والأطفال وكبار السن. وكانوا يقومون بالمظاهرات مع إخوانهم من شباب جبل الزاوية في القرى التي استمرت في التظاهر يوميا. يقول بعض المطلعين على تركيبة قوى الأمن التي تحمي حكم عائلة "أسد" أن قسما كبيرا من ضباط هذه الأجهزة ينحدرون من قرى علوية مجاورة لجسر الشغور، ولا يفصلها عن قرى جبل الزاوية إلا سهل الغاب الضيق. ومع أن السلم الأهلي كان يسود بين قرى جبل الزاوية وقرى العلويين قبل أن يستولي حافظ أسد على الحكم في عام 1970، إلا أن هؤلاء الضباط كانوا يخشون على مكاسبهم التي نهبوها من أموال الشعب وغض عنها حافظ أسد عينه ومن بعده الرئيس بشار إذا سقط حكم عائلة "أسد"، وأن ينالهم وينال قراهم الأذى من أهالي جسر الشغور وأهالي جبل الزاوية، فقد أرعبهم مسارعة شباب جبل الزاوية لنجدة جسر الشغور. مع أن هذا الخوف لا وجود له إلا في مخيلاتهم، لأن سورية ما عرفت أي نزعات طائفية خلال تاريخها الطويل، إلا عندما أراد حافظ أسد أن يجعل من الطائفية سياجا لحكم أسرته. ويوم ينزاح حكم عائلة أسد التسلطي القمعي، فسيزول هذا التوتر من النفوس. لم تنفرد منطقة جسر الشغور وقرى جبل الزاوية بمجاورة قرى علوية لوحدها، فقد كان هذا الجوار في قرى أخرى في غرب حماة وقرى غرب حمص، خصوصا مدينة "تل كلخ" التي أوقعت فيها أجهزة الأمن مجازر في شهر أيار الماضي، فاضطر أكثر من خمسة آلاف مواطن منها للجوء إلى لبنان هربا من قمع رجال ماهر أسد. فما الذي حدا بماهر أسد أن يرسل دبابته لتتمركز داخل قرى جبل الزاوية: مثل أورم الجوز والرامي وكفرحايا ومرعيان والمغارة وإحسم والبارة، وصولا إلى كفرنبل وكفرروما وحاس . كما لم تسلم مدينتا أريحا ومعرة النعمان من تمركز الدبابات حول محيطهما. في قراءة أولية لاجتياح دبابات ماهر أسد لهذه القرى، فإن البعض يسترجع إلى الفكر ثورة جبل الزاوية على الفرنسيين عام 1921، وأن الضباط العلويين المنحدرين من قرى مجاورة لجبل الزاوية ربما يخوّفون "ماهر أسد" من ثورة عارمة مثل تلك الثورة قد تضم قرى جبل الزاوية وجسر الشغور وقراها وصولا إلى حدود تركيا، وربما يخشون من إنشاء منطقة معزولة تدعمها تركيا. مع أنه ليس واردا عند الزعيم التركي "أردوغان" أن يتورط في مثل هذا السيناريو، لكنه الخوف الذي ملأ أقطار نفس الرئيس بشار أسد وأخيه ماهر. هناك من المراقبين من يرجع خوف أجهزة الأمن إلى أن قرى جبل الزاوية غادرها الشباب وتمركزوا في محيطها بعد أن انضم إليهم شباب جسر الشغور. فكان هؤلاء الشباب ينزلون إلى القرى التي ليس فيها دبابات ويقومون بمظاهرات ليلية. وأن النظام كان يخشى عواقب ما يفكر فيه هؤلاء الشباب، وكل ذلك من تعاظم الخوف والرعب في نفوس قادة النظام. عدد قرى جبل الزاوية يقارب الأربعين قرية. وكلها شارك في مظاهرات وهتافات بإسقاط النظام, فلماذا اختار ماهر أسد هذه القرى دون غيرها لينشر فيها دباباته؟ سؤال برسم الإجابة!!!