أسقطت الدول المتقدمة النظريات الاقتصادية القديمة، المتعلقة بمبدأ حرية السوق، وقانون العرض والطلب، عبر أساليب اقتصادية ذكية وغير مباشرة، لاحظنا ذلك في الأزمات الاقتصادية والمالية، التي شهدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا مؤخرا، لجهة تأميم بعض البنوك، وضخ أموال في سوق الأسهم، والدعم المباشر أحيانا، تحت مسمى إعادة التوازن في الأسواق الاقتصادية، وحماية الأمن الاجتماعي. حاليا، ليس من المنطق الوطني والاقتصادي، قيام بعض الشركات والمؤسسات أو بعض رجال الأعمال والمستثمرين، بزيادة الأعباء الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، برفع أسعار المنتجات الأساسية، وإنهاك المواطن اقتصاديا، بحجة ارتفاع أسعار المواد الأولوية لتلك الشركات. فالأمن الغذائي والاقتصادي، يعني توفير الخدمات والسلع الجيدة، بأسعار مناسبة وفي متناول الجميع، وكسر هذه المعادلة من خلال استغلال بعض الشركات ضعف الدور الرقابي لوزارة التجارة، في ضبط الأسعار، في أكثر من خدمة وسلعة، أصبح أمرا يدعو للتدخل الحكومي (الوزاري) باعتبار ما يحدث مساسا بالأمن الاقتصادي والاجتماعي، لاحظنا ذلك في ملفات أسعار الشعير، والحديد، والأسمنت، والألبان، والدواجن، وغيرها، مما شجع ودفع بموجة من الانفلات غير المسبوق في الأسعار. إن استمرار حشر المواطن بين مطرقة الغلاء وسندان التضخم، دون تدخل الجهات الرقابية المعنية، أمر يدعو للتساؤل، هل هي فلسفة إدارية معتمدة لدى وزارة التجارة، أم العجز عن القيام بمنهجيات إدارية وتشريعية ورقابية للتأثير في مسارات الأسعار، أم أنه الإهمال لهذا الملف الحساس والحيوي، بعكس موقف وزارة التجارة عندما تدخلت في منع حرب الأسعار بين شركات الألبان للمحافظة على الأسعار وعدم انهيارها! فقد دعا تقرير حديث صادر عن هيئة الأممالمتحدة؛ الحكومات إلى التدخل لاحتواء فقاعات أسعار السلع التي شملت الشعير والسكر والقمح والكاكاو وغيرها، ما يعني مزيدا من المسؤولية الوطنية على الجهات المعنية في هذا الملف الاستراتيجي، ففي العديد من الدول يجرى حاليا اعتماد قوانين للقضاء على الممارسات التي «تضر بالمستهلكين» وتتيح للحكومات التدخل في حالة «ارتفاع بعض أسعار السلع الأساسية» فمصلحة المواطن والمجتمع مقدمة على الانتهازية الممقوتة.