يبدو أن التيار السلفي في مصر، كان يتابع عن كثب، أدبيّات "نقد الإخوان"، سواء تلك التي كانت تأتيها من خارجها من نخب ترى ضرورة انخراط الجماعة في العمل العام، أو من داخلها من التيار الإصلاحي الذي كان يعتقد بأن شرط ولوج الحركة منطقة التقاطع مع الجماعة الوطنية المصرية، هو فصل "الدعوي" عن "السياسي".. أو فصل الجماعة ك"تنظيم" عما هو سياسي "الحزب".. ويبدو أيضًا أن هذه "النصيحة" تلقّفتها التيارات السلفيّة، أو على الأقل القطاع الأكبر منها، وأكّدت في أكثر من مناسبة بأنها قد استقرت على أن يكون لها واجهة "مدنية" تحتفظ بمساحة كبيرة عن نشاطها "الدينيّ" تدخل بها الانتخابات القادمة.. من خلال أحزاب سياسية تأسّست فعلاً مؤخّرًا. وهذا تطوّر مهم، بل إنني أعتبره منعطفًا تاريخيًّا في مسيرة السلفيّة المصريّة، التي تكاد تكون خبراتها محصورة في العمل الدعويّ والخيريّ، وحُرمت طوال تاريخها من خبرات سياسيّة كثيرة، تحاول اليوم استعادتها، من خلال قراءة التراث النقدي الذي تعرّضت له جماعة الإخوان المسلمين، خاصة في السنوات العشر الأخيرة والاستفادة منه، في تطوير أدائها السياسي، واللّحاق باستحقاقات اللحظة الراهنة، والتعلق بتلابيبها، والحرص على عدم تفويت الفرصة. وفي هذا السياق، فإن المسألة في تقديري تحتاج إلى "ورش عمل" لنقل الخبرات السياسيّة من الجماعات والشخصيّات التي تتمتع سيرتها الذاتية بخبرات سياسيّة ثريّة، إلى النشطاء السلفيّين، لإضاءة الوعي بالفارق بين العمل الخيري، والنشاط الحزبي؛ لأن التجرية أثبتت أن جماعة الإخوان المسلمين على الرغم من خبراتها الطويلة في العمل العام، والتي تمتد إلى ما يقرب من تسعين عامًا، وقعت أثناء أدائها السياسي في مأزق الخلط بين الإثنين؛ إذ تصرف نوابها في المجالس النيابية، بخبرة العمل الخيري، وليس السياسي، ما يجعل "المجلس النيابي" في الوعي السياسي الإخواني محض "جمعيّة خيريّة"، وهو الوعي الذي كانت محصّلته غير مرضية وأضرّت إلى حدٍّ كبير بنتائج وجودهم في البرلمان. ومع ذلك فإنه لا يمكن أن ننكر بأن أهم ما اكتسبه الإخوان، هو نضج الوعي بمنزلة التنظيم من الجماعة الوطنية المصرية، بصفته جزءًا منها، وليس منفصلاً عنها، وهو الوعي الذي مهّد لتأسيس حزب يكون أكثر رحمًا بها، ويحتفظ بمسافة مع الجانب الدعوي يحفظ للحزب حسّه المدني، وهي الخبرة التي يحتاجها الآن –وبإلحاح- التيار السلفي، لتجاوز عتبة "الجماعة" واللّحاق بعصر "الأحزاب".