مأمون فندي نقلا عن (الشرق الأوسط) اللندنية اختيار أيمن الظواهري خلفا لأسامة بن لادن كزعيم لتنظيم القاعدة، هو أقرب إلى اختيار حسني مبارك لحكومة أحمد شفيق، تلك الحكومة التي لم يتجاوز عمرها شهرا تقريبا ثم انتهت، أحمد شفيق جاء في نهاية نظام وكله رغبة في محاولة إنقاذ ما تبقى منه، ولكن الانهيار الكبير كان بنيويا، فأعمدة النظام هي التي تهاوت قبل عزل الرئيس، والقصة لم تكن شخص مبارك فقط. وكما في مصر كان الحال مع «القاعدة»، فمقتل أسامة بن لادن لم يأتِ نتيجة خطأ شخصي ارتكبه زعيم «القاعدة» الأصلي، بل جاءت نهايته لأن تنظيم القاعدة فقد كفلاءه ومموليه في زمن الثورات، فقد الدعم المخابراتي من دول تلعب مع بعضها لعبة كبرى، ولكن بالابتعاد درجة واحدة من الحدث، إنه لم يمكن أن تضبط متلبسة بالجريمة، فكل جريمة كانت تلصق ب«القاعدة»، وتقيد ضد مجهول في النهاية، ولكنها كانت أولا وأخيرا لعبة دول لم تكن «القاعدة» سوى أداة فيها. الشهر الماضي وبعد إعلان مقتل أسامة بن لادن على يد القوات الخاصة الأميركية، كان السؤال المسيطر على المشهد الغربي هو: ماذا سيحدث ل«القاعدة» بعد بن لادن؟ وتحدث البعض عن تولي الرائد السابق في الجيش المصري المعروف بسيف العدل، والمقيم في إيران، قيادة التنظيم بعد بن لادن. وما هي إلا أسابيع حتى زفت «القاعدة» إلى العالم اختيار أيمن الظواهري قائدا للتنظيم. والظواهري معروف للجميع، ولكن من نافلة القول أن نسجل أنه أحد قيادات تنظيم الجهاد المصري الذي أدين في مقتل الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، وخرج الظواهري من السجن بعد فترة عقوبة كانت الأقل بين أقرانه، أي أنه لم يكن قائد تنظيم الجهاد المصري، ولكنه كان أحد قياداته. أما عن موضوع تحالفه مع بن لادن، فقد كان في 1996 عندما انضم أيمن إلى أسامة وأعلنا بيانهما المشهور من جبال الهندوكوش ضد الصليبيين والصهاينة، مع أنهما لم يقوما بعملية واحدة ضد الصهاينة، ولنسجل هذا. أيمن الظواهري ليس بن لادن، الظواهري أقل حظا وأيضا أقل دراية من بن لادن في الشهرة وفي المال وفي إبرام التحالفات، على عكس ما كان يشاع، ولا يزال، من أن بن لادن هو الممول أو الكفيل، وأن أيمن الظواهري هو العقل المدبر. وهذا بالطبع ليس تحليلا بقدر ما هو نوع من الصور الذهنية الجاهزة التي تلوكها الألسن في منطقتنا، وهي امتداد لتحيز موجود في الكتابة اليومية عن أهل الخليج، سواء أكانوا خليجيين طيبين أو من القلة الشريرة على غرار أسامة بن لادن. الخليجي في الصورة النمطية التي يكررها الإعلام في مصر وغيره بشكل يومي هو الممول والمصري هو العقل، تنويع على مسرح عادل إمام (المخ والعضلات)، وهذا لا يرتقي إلى أي تحليل موضوعي بقدر ما هو تسويق لتحيزات وأمراض نفسية على أنه تحليل سياسي. وما ينطبق على تحيزات أهلنا في الوديان ضد أهلنا في الصحاري، يمكن مضاعفته مئات المرات عندما نتحدث عن كتابات الغربيين، الذين امتهنوا الكتابة عن الجماعات الإسلامية. كتاب لا يعرفون منطقتنا إلا من خلال السياحة أو من خلال العنف المفرط والاحتلالات والاستخدام الخشن للقوة. يفرضهم الإعلام الغربي كمحللين لظواهر لا يعرفونها بقوة الشاشات ووهجها. وأعرف الكثيرين منهم. المهم هو أن أيمن الظواهري ليس بن لادن، وليس المخ كما يتصور البعض، أسامة والظواهري ما هما إلا أدوات في مشهد أكبر، والمشهد في طريقه إلى أفول. كتبت في 31 أغسطس (آب) 2009 مقالا في هذه الصحيفة بعنوان «ليس هناك شيء اسمه (القاعدة)»، قلت فيه إن «القاعدة» هي أكبر خدعة انطلت على العالم اليوم. فليس هناك شيء اسمه «القاعدة» بمعنى التنظيم القادر على زعزعة أمن دول كبرى وصغرى أو استهداف قيادات أمنية وسياسية. «القاعدة» ما هي إلا غطاء لحرب بالوكالة في منطقتنا، فلا يوجد في منطقة الشرق الأوسط سوى لاعب واحد وهو الدولة تليها القبيلة والطائفة، ما عدا ذلك من عصبيات فهي ليست من طبيعة المنطقة أو من تاريخها. كتبت هذا بعد محاولة متطرفين كانوا موجودين في اليمن وحاولوا اغتيال الأمير السعودي محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية. وما زلت عند هذا الطرح الذي يقول لم يكن هناك «قاعدة»، بل كانت هناك عناصر مارقة في أجهزة استخباراتية تدير العملية، ومتى ما سقطت الأنظمة في منطقتنا سقط التنظيم، لذا كان ضروريا أن يموت بن لادن في هذا الظرف، بعد الثورة في مصر والثورة في ليبيا وسوريا واليمن، وتونس. بنية اللعبة تفككت، وتحلل معها جسد بن لادن في البحر. إذن «القاعدة» ماتت قبل بن لادن. لم يكن بن لادن هو «القاعدة»، بل كان عنوانها ورمزها (اللوغو) أو العلامة التجارية، ومتى انتهت الشركة انتهى اللوغو أو العلامة التجارية. أقول هذا وأعرف أن طرحي ضد ما هو سائد من اعتقاد في هذا المجال، ولكن لا بأس من طرح ما هو مخالف للسائد لمحاولة إعادة التفكير فيما هو مركون إليه. الظواهري لن يستمر أكثر من حكومة أحمد شفيق في مصر، لأن اللعبة انتهت.