لم تختلف كلمة الثورة السورية في وجوب المطالبة بإسقاط النظام بعد كلمة الرئيس بشار الأولى بسبب امتناع النظام عن الاستجابة لمطالب الإصلاح العشرة التي أعلنها الثوار، والسبب الثاني: إصرار النظام على مواجهة الثورة بالقمع والقتل والاعتقال، حتى تطور الحال إلى استعمال النظام للمدفعيات والدبابات وقصف بعض المدن المتظاهرة وهدم البيوت على أهلها وتحول أهلها إلى لاجئين في المنطقة الحدودية التركية واللبنانية، وحينها خرج د.عزمي بشارة على قناة الجزيرة الخميس الماضي وكرر رأيه السابق في ضرورة ثني الثورة عن المطالبة بإسقاط النظام إلى المطالبة بالإصلاح فقط، مؤكدا اختلاف ثورة سوريا عن ثورتي مصر وتونس، لأن الديمقراطية لن تكون بديلا عن النظام بعد سقوطه، وإنما الانقسامات والفتنة والفوضى، ولا أدري إلى هذه الدرجة بلغ الشعب في عدم الأهلية للمشاركة في الحكم عند بشارة؟ وإذا كان في سوريا طوائف وأقليات فكذلك في مصر طوائف وقبائل ومذاهب فكرية مختلفة. واشترط عزمي في مسيرة الإصلاح التي دعى إليها أن يكون ذلك بقيادة النظام ومما قاله عزمي بشارة:"نتحدث بشدة عن الإصلاح والانتقال التدريجي نحو الديمقراطية بقيادة النظام طبعا" لاحظ (انتقال تدريجي بقيادة النظام). ثم حدد د.بشارة مدة الانتقال التدريجي الذي سيقوده النظام نحو الإصلاح والديمقراطية بقوله :"يمكن تغيير النظام بشكل آمن وبشكل يأخذ سنوات طويلة" لاحظ (سنوات وطويلة) وهذه الكلمة لم يتجرأ عليها حتى الرئيس بشار نفسه. وبعد ذلك أعلن د.عزمي خوفه الشديد من سقوط النظام السوري البعثي لأن في سقوطه ضياع للمشرق العربي كله، وأن النظام البعثي السوري مسؤوليته أكبر من دولة سوريا فهو في الحقيقة مسؤول عن المشرق العربي كله، وهذا نص كلامه:" إذا انهار سنخسر المشرق العربي كله. مسؤولية النظام ليست عن بلده. عن المشرق العربي كله" ثم كرر المقدم آخر جملة له :"هذا النظام هو المسؤول عن المشرق العربي"!! هذا النقل ليس عن المتحدث الرسمي باسم المخابرات السورية وإنما عن محلل سياسي. نحن نتحدث عن أعتى نظام قمعي عرفته البشرية في تاريخها المعاصر ود.بشاره يقول: إذا انهار سنخسر المشرق العربي كله!! الشعب السوري يطالب بإسقاط النظام وبشارة يخشى من سقوطه!. فهل بقي لأحد عذر في الدفاع عن موقف بشارة من الثورة السورية؟ تابع عزمي تحذيره من نشر صور جثث الشهداء وسمى نشرها بجرائم الكراهية بين الطوائف والعشائر فقال :" نشر تشويه الجثث لا يميز عمل دول، يميز جرائم الكراهية" علق المقدم مؤكداً على علة المنع لدى عزمي وهو الخوف من انفلات الأمن من يد النظام :"حتى تخرج عن سيطرة النظام" فأكد عزمي كلامه بقوله :"وتخرج عن السيطرة وتصبح حالة غير مقبولة على الإطلاق". إذاً عزمي يخشى من نشر صور جثث الشهداء عبر الإنترنت والقنوات الفضائية خوفاً من كراهية الشعب للنظام، وخوفاً من انفلات أمن النظام البعثي!! إذا من يقتل المتظاهرين ويسجنهم ويشردهم ويقصفهم بالمدافع يعتبره د.عزمي جهازَ أمنٍ يجب الحفاظ عليه، ومن الخطأ كراهيته!. أما ما يصعب على العقل السوي قبوله هو رأي د.عزمي بشارة في أن مجيء دبابات النظام السوري إلى المتظاهرين إنما هو لحمايتهم، ثم وجه نقده اللاذع للشعب السوري؛ لأنهم لا يرون أن مجيء هذه الدبابات إنما هو لحمايتهم وكأنها دبابات دولة أجنبية، واعتبر د.بشارة موقف الثوار هذا من الدبابات خطير للغاية، وهذا نص كلامه:" لا يجوز انه يوصل بلد لوضع انه دبابات جاية يصير التعامل معها كأنها دبابات دول أجنبية.. نتعامل معها كأنها شيء خارجي وأجنبي ومشي ناس جاية بتحميها هذا وضع خطير للغاية". أي استخفاف بعقول الناس أكبر من هذا، والمجتمع الدولي يشاهد دك الدبابات لبيوت الناس وتشريد الأهالي بسببها مشياً على الأقدام إلى الحدود التركية واللبنانية. وفي رأيي أن سبب هذا الموقف منه لأمور، الأول: أن سقوط النظام البعثي سيضعف الموقف الإيراني وحزب الله اللبناني في المنطقة، والسبب الثاني: إسلامية الدولة القادمة، فالحرية مآلها إلى فوز الأغلبية السنة. والثالث: قومية النظام، وهذا المرتكز الأساس لدى بشارة، والقومية العربية نشأت في مواجهة الرابطة الإسلامية، وكانت من ركائز النصارى في إسقاط الخلافة الإسلامية. والسبب الرابع: وقوف النظام السوري مع القضية الفلسطينة، ولكن هذه الدعاية انكشفت بتصريح ماهر الأسد الذي نشرته الجزيرة: "لا استقرار لإسرائيل إلا باستقرار سوريا" ونشرت الجزيرة أيضا في موقعها:" إسرائيل تخشى سقوط بشار الأسد". ولم يترك عزمي مطالبته بإدانة القنوات الداعمة للثورة السورية ووصفها بالطائفية وأشار إلى موقعها ونص على السعودية والخليج، والقاصي والداني يعلم أنه لا يوجد إلا قناتي صفا ووصال، وهذا الوصف سبقه إليه الإعلام السوري فالإسلام والعمل بالكتاب والسنة عندهم طائفية، ولم يظهر هذا التألم إلا بسبب تسخير وصال قناتها في نصرة الثورة السورية والمطالبة بإسقاط النظام واكتساح القناة للشارع السوري، فجزى الله هذه القناة خير الجزاء على نصرتها للشعب السوري. وكان عزمي في أوائل الثورة يثني على عدم اندفاع الجزيرة في تغطية الثورة ووصف قناة بي بي سي بأنها "تبث دعاية طائفية" فإذا لم تسلم قناة بي بي سي البريطانية من اتهام د.بشارة لها بالطائفية فالدفاع عن غيرها من إضاعة الوقت. والسؤال هنا كيف يتأثر بعض الفضلاء من مثقفين وسياسيين بهذا الطرح الخطير وفي الوقت نفسه يسميه بعضهم (مهندس الثورات)؟. والجواب: أن طريقة عرض بشارة يبدأ بتأييد الثورة، والمطالبة بالحرية، وإدانة جرائم النظام، وربما ذكر كلمة سقوط النظام بأنه رأي الأغلبية، أو أنه الخيار الآخر إذا امتنع النظام عن الإصلاح، لكنه لا يطالب به ولا يدعو إليه، فإذا ما استقرت إليه نفوس الناس وشعروا أنه يتحدث باسمهم التف بمهارة على المطلب الأساس للثورة وهو إسقاط النظام وعاد به إلى الحوار وإصلاح النظام. وفي ظني أن الجزيرة لو نصرت الثورة السورية من بدايتها كما فعلت في مصر لربما كان سقوط النظام منذ أسابيع، فالجزيرة إذاً تتحمل قدراً كبيراً مما يحصل الآن في سوريا؛ لأن الشعوب الثائرة ظنت أن الجزيرة ستنتصر لها مثل مصر. فما يقوم به د.بشارة ودعم الجزيرة له هو في الحقيقة طعنٌ في خاصرة الثورة، وجرحٌ غائر لن ينساه الشعب السوري المظلوم، ولا يزال المجال متاحاً لقناة الجزيرة ومقدم البرنامج الأستاذ علي الظفيري في استدراك ما حصل فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات، أما د.بشارة فمن الصعب جدا أن يغيير موقفه لأن منطلقه عقدي، وحديثي عنه هنا ليس تقويما عاماً لمواقفه وإنما عن الثورة السورية. ولا يفوتني أن أشير إلى المقال الرائع للأستاذ أحمد القايدي الذي نشره قبل أكثر من شهرين بعنوان :"عزمي بشارة و احتجاجات سورية". اللهم انصر شعب سوريا على النظام البعثي الظالم المستبد، واحفظهم واحقن دماءهم، وانصرهم وتقبل قتلاهم في الشهداء.