د. محمد بن عبدالله المشوح - الجزيرة السعودية حينما اطلعت على الملف الخاص الذي أعدته خميسية الشيخ حمد الجاسر عن الأخ الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عاتبت الإخوة عن حرماني من هذه المناسبة التي قدموا فيها باقة ود ووفاء وعرفان لهذه الشخصية الثقافية المتميزة. صدفة وأنا أقلب هذا الملف الوفائي الجميل عن أبي طلال كان أمامي وعلى طاولة مكتبي كتاب لما أزل أقرأ به وهو كتاب «حديث الخليج» لمعالي الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله-. حيث توقفت من تلك القصة الجميلة المؤثرة التي ساقها عن الأسطورة السفير محمد الحمد الشبيلي أبو سليمان حيث يقول: كنت في مجلس جلالة الملك خالد -رحمه الله- وكان معه ولي العهد وقتها الأمير فهد بن عبدالعزيز (خادم الحرمين الشريفين).. وكان هناك عدد قليل من الزوار ولسبب ما تطرق الحديث إلى أبي سليمان وحديث أبي سليمان دوماً ذو شجون، وقال أحد الجالسين (إن كرمه أدى إلى إرهاقه بديون بلغت....) وذكر مبلغاً كبيراً فتدخل آخر وقال إن ديونه بلغت ضعف المبلغ وقال ثالث إنها أكثر من ذلك وبصوت واحد تقريباً قالا (هذا رجل يجب أن يعان على مروءته) ولا شك أنهما فعلاً كنت أحد الذين يتحاشون المرور بعاصمة يسكنها أبو سليمان سفيراً، فعلت هذا مرة بعد مرة والسبب أقاصيص الجود التي أصبحت جزءاً من الفلكلور السعودي أبو سليمان يدور بسيارته في شوارع بغداد ولا يعود للمنزل إلا بضيف؛ أبو سليمان يطلق سائقه في شوارع كوالالمبور ويطلب منه ألا يعود إلا بضيف، تذكرت حاتم إن جلبت ضيفاً فأنت حر، أحسب أن أبا سليمان أطلق مئات السائقين من الخدمة، أبو سليمان يطارد الضيف من لحظة الهبوط إلى لحظة الإقلاع كل فاتورة بلا استثناء تدفع وفي كل يوم بلا استثناء تدفع وعندما يهرب الضيف هروباً إلى المطعم يجد أن ثمن الطعام قد سبقه على المطعم وعندما يمتطي الطائرة يجد أن أبا سليمان قد ملأها بما لذ وطاب من التمر والقهوة العربية والثمار المحلية والخرفان إن سمحت شركة الطيران. توقفت قليلاً عن ذلكم العلم الذي أضحت وصارت حكاياته وقصصه أشبه بالأساطير عن حاتم الطائي وغيره من كرماء العرب المشهورين. كانت لدي ورقات متناثرة عن شخصيات متعددة بارزة عن أسرة الشبيلي أو كما يقول أهل القصيم جمعاً «الشبالا». تتضمن أسماء لامعة كان لهم حضور بارز مميز منذ تأسيس المملكة العربية السعودية حيث عملوا في الديوان الملكي في مطلع قيامه وكذلك في السفارات السعودية والقطاعات العسكرية والعمل التجاري بل عرف في البصرة خان تجاري باسم أسرة الشبيلي ومنهم حمد الحماد الشبيلي أحد وكلاء الملك عبدالعزيز. جدير ذكره أن الملك عبدالعزيز تزوّج اثنتين من نساء هذه الأسرة هنّ لولوة بنت محمد الناصر الشبيلي ونورة الناصر الشبيلي ولم تنجبا منه، وكان الملك رحمه الله، بحكم صداقته الوثيقة بمحمد السليمان الناصر الشبيلي يختصه بزيارته، أو الإقامة عنده في بعض زياراته لعنيزة. كما برز من هذه الأسرة سفراء يأتي في مقدمتهم نجم السفارات وقمر هذه العائلة السفير محمد الحمد الشبيلي (أبو سليمان) المتوفى عام 1409ه والذي سجّل د. عبدالرحمن الشبيلي سيرته في كتاب من (500) صفحة، صدر عام 1414ه (1994م)، وكذلك السفراء عبدالرحمن العبدالعزيز الشبيلي وعبدالله الحمد الشبيلي وأخوه عبدالرحمن الحمد الشبيلي (أبو رياض) وعبدالرحمن الحمد الشبل (أبوغسان). وكان السفير عبدالرحمن العبدالعزيز الشبيلي، قد عُرف في مطلع هذا القرن الهجري بكتابة مقالات سياسية تحليلية متميزة تتناول القضايا العربية وبخاصة قضية فلسطين جمعها في كتّيب بعنوان: الرؤية والتحوّل. وعرف من رجالات هذه الأسرة، عددٌ من موظفي الديوان الملكي في عهد الملك عبدالعزيز، واستمر بعضهم في عهد الملك سعود، وكان من أوائلهم عبدالعزيز الناصر الشبيلي ثم ابنه السفير عبدالرحمن وعبدالله الحماد الشبيلي (الشبل) وإخوانه محمد وعبدالعزيز وسليمان ومقبل. وكان الشيخ السفير محمد الحمد الشبيلي (أبو سليمان) قد ابتدأ عمله بالديوان الملكي مدة لا تقل عن اثني عشر عاماً من عام 1349ه وحتى عام 1362ه، عندما انتقل إلى السلك الدبلوماسي قنصلاً في البصرة ثم سفيراً في الباكستان فالهند والعراق وأفغانستان وماليزيا. أما أطول من عمل في الديوان الملكي من هذه الأسرة، فكان الشيخ محمد بن عبدالرحمن (بن عبدالله الناصر) الشبيلي المتوفى عام 1416ه، فقد بدأ عمله مع إنشاء الشعبة السياسية عام 1349ه وحتى تقاعده، وقد تزامن دخوله إلى الديوان الملكي مع دخول الشيخ السفير محمد الشبيلي (أبوسليمان) وكانا قد درسا في البصرة معاً في الأربعينيات الهجرية. عوداً على العلم: أبي طلال حيث إن تقاعده وابتعاده عن كرسي العمل لم يقطعه عن العمل الثقافي والعلمي الذي عشقه وأحبه بل زاد ذلك في نشاط علمي متنوع ومميز. وأمثال أبي طلال جديراً أن يتم منحهم تقاعداً مبكراً فهو نشط في التأليف مبتكر في الفكرة باحث عن المعلومة محقق لها وقدم في السنوات القلائل التي تقاعدها من المؤلفات والبحوث ما لم يكتبه خلال سنين عمله . كما أنه بخيل على الوطن بسلالته وذريته فهو لم ينجب سوى طلال وابنتان ثم حفيده عبدالرحمن بارك الله في عقبه وذريته. ثم عوداً على الملف الأنيق الذي أعده مركز حمد الجاسر الثقافي تقديراً وعرفاناً لمن يستحق الوفاء فالدكتور عبدالرحمن من ندماء وأصدقاء وتلاميذ الشيخ حمد الجاسر ومن أوائل من نادى مبكراً بسرعة إقامة مركز ثقافي يحمل اسم هذا العلامة -رحمه الله- وهو كذلك أيضاً من أوائل من نادى بإقامة مركز للشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله- وكذلك العلامة الشيخ محمد بن ناصر العبودي -حفظه الله- تضمن الملف شهادات مميزة من أعلام بارزين يأتي في طليعتهم الوزراء: د. عبدالعزيز الخويطر والدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- ومعالي الشيخ جميل الحجيلان ومعالي الدكتور أحمد الضبيب والدكتور عائض الردادي والأستاذ حمد القاضي والدكتور زياد السديري وعدد من أعلام الوسط العلمي والثقافي. والدكتور عبدالرحمن نشط في التأليف والبحث والكتابة يحسن اختيار الموضوعات ويبدع في البحث والتحليل عن الشخصيات. وإذا كانت مؤلفاته قد ناهزت العشرين فإن من أجمل ما قدمه الدكتور عبدالرحمن حين زف للقراء ذلكم السفر العظيم المتمثل في «سوانح الذكريات» للشيخ حمد الجاسر.. حيث قام بالإشراف عليه وعني بتحرير نصوصه والرسائل الواردة والتعليقات الهامة التي ضمنت في الكتاب. توقفت بحق عند صفتين تم كشفهما عن الدكتور عبدالرحمن الشبيلي وهما النبل والكرم. وأشهد أنهما أجمل الصفات وأميزها وأوضحها وإن كنت لست مبالغاً بأنها جينات شبيلية متوارثة. فالأخلاق العالية والسمت الراقي أول ما تلحظه في شخصيته أما الكرم فهو الجناح الأخر لأبي سليمان الأسطورة حيث الدكتور عبدالرحمن يلاحق الناس إهداء لمؤلفاته ومؤلفات غيره كما كان يلاحق السفير زواره بموائده وعطاياه . أما الصفات التفصيلية في شخصيته المتمثلة في الدكتور عبدالرحمن الشبيلي فقد أوجزها الدكتور ناصر الحجيلان: لطيف المعشر، عفيف اللسان، رشيق الدعابة، حاضر البديهة، أنيق في حديثه، دقيق في كتاباته « والحق أنها صفات يلتقطها كل من يقترب من «أبي طلال». هنيئاً للوطن بأمثال الدكتور عبدالرحمن الشبيلي وهنيئاً لمركز حمد الجاسر بمثل هذه الشخصيات النادرة في وفائها وعفتها.