لقد بات مؤكداً أن الشعب السوري قد حسم خياره السلمي من خلال مظاهراته الاحتجاجية بإسقاط النظام الذي فقد شرعيته بإعلانه الحرب الرسمية على شعبه والتي أنتجت حتى الآن عشرة أضعاف مثيلاتها في اليمن من حيث أعداد القتلى، وأضعاف ذلك في الإصابات بل وأكثر من عشرة آلاف من المعتقلين، كما بات مؤكداً أن خيار السوريين والمعارضة بعموم أطيافها محسوم بعدم الاستعانة بالخارج أو طلب تدخل أجنبي لما يترتب على ذلك من آثار وأضرار مستقبلية. وفي مقابل الخيار السلمي للسوريين يتصرف النظام بتوحش لامثيل له بما يرتكب كل يوم من الفظائع وبدم بارد، ممّا يمكن اعتباره جرائم حرب، ويبدو أن النظام ماض وبإصرار الديكتاتوري الفاشي في معركته لسحق شعبه وإخضاعه مهما كانت الجرائم وفظائع الهولوكست التي سوف يرتكبها أمام قرار شعبي بإسقاطه مهما بلغت التضحيات. ويبدو أيضاً، أن الخيار السلمي للشعب الثائر لابديل عنه، لأن خيار العنف والقتل محسوم لطرف النظام، فلايستطيع أحد مواجهته به ومنافسته فيه، بل هو يتمنّاه ليخرج من معركةٍ هو الخاسر فيها والمنهزم ليس أمام شعبه وحسب، بل وأمام العرب والعالم طالما طرفها الآخر مظاهرات سلمية واحتجاجات مدنية. ويبدو لنا أيضاً أنه رغم مراهنة النظام على إخراج المظاهرات السلمية عن سلميتها وفشله في ذلك، لكن مراهنته لاتتوقف لأنه مازال يطمح إلى زحزحتها عن ذلك وإخراجها عن طورها ولو جزئياً لتكون له مبرراً في القتل، الذي يتلهف إليه ويتلمظ طمعاً في إعادة الجماهير المنطلقة إلى حظيرة الإخضاع والاستعباد. مايلفتنا في المشهد السوري، هو الموقف العربي الذي يبدو فيه العرب بعمومهم شعوباً وحكوماتٍ صماً عن جرائم النظام وفظائعه، وعمياً عما يحصل لأشقائهم وبكماً وكأن الأمر لايعنيهم رغم خطورته، على عكس الموقف الدولي أوروبياً وأمريكياً الذي وإن بدا ضعيفاً، وإنما وتيرته ترتفع قليلاً قليلاً، حتى قال الأمريكييون بأن استمرار النظام السوري في القمع قارب على استنفاد شرعيته، وكأن مواقف الجميع تتيح الفرص للنظام لتقديم حلوله والخروج من مأزقه، والذي بدا بدوره أيضاً حتى اللحظة أنه عاجز سواء بالحل الأمني الذي اختار الابتداء به بسببٍ من طبيعته المتعجرفة والمتغطرسة والذي بدا عدم نفعه بعد أكثر من عشرة أسابيع، أو الحل السياسي المتأخر جداً وبعد فوات الأوان. وعليه، فبدلاً من أن يختار الرحيل وقد فشلت حلوله، فإنه آثر فيما يبدو لصلفه أولاً وطبيعته الأمنية والشمولية ثانياً، العودة إلى رفع وتيرة الحل الأمني بالإمعان بالقتل ومضاعفة سفك الدماء، ظناً منه أن ذلك ينجيه، وهو ماتبدّى واضحاً في جمعة أطفال الحرية، وهي عودة إلى حلٍ معناه بوضوح أن التدخل الأجنبي قادم على يد النظام نفسه، بما تقترف يداه من جرائم تهز الضمير الإنساني. إننا نراهن حقيقة على وعي شعبنا وصبره بمحافظته وإصراره على خياره السلمي مهما رفع النظام السوري من وتيرة سفك الدماء والمشاهد اللاإنسانية الموغلة في التوحش والبجاحة، لترك النظام ومعه مؤيدوه من عديمي الحياء والنخوة من المقاومين والممانعين والمناضلين على حساب دماء الشعب السوري الأبي وكرامته والإبقاء عليهم في طريق مسدودة، وهو رهان نجح فيه السورييون بعفوية فطرية أصيلة في تجاوز أفخاح النظام في العنف والطائفية. كما أننا على قناعة بأن التدخل الأجنبي على الأبواب، ليس برغبةٍ من الثائرين السوريين أو طلبٍ من المعارضين في الخارج بل بسبب خيار النظام الأسدي نفسه الممعن في القتل والتعذيب والاعتقال الذي سوف يضع النظام الدولي بجملته أمام حرج كبير من مسؤوليته الإنسانية فيما يُرتكب من جرائم ، أو أنه يقدم له بممارساته ومذابحه فرصته للتدخل. ومن ثم فإذا كان المتظاهرون المسالمون يرفضون التدخل الأجنبي ولايملكون الأخذ على يد النظام بمنعه من قتل شعبه، وإذا كان المعارضون أكدوا على رفض التدخل الأجنبي والدولي في مؤتمراتهم ولقاءاتهم الأخيرة ، وإذا كان النظام السوري يزعم ذلك أيضاً، فإن هذا معناه أن الجميع يلتقون على رفض التدخل الأجنبي. ولكن إذا كانت ممارسة العنف بالتنكيل الجماعي والقتل وإراقة الدماء تستدعي تدخلاً دولياً وقد يكون عسكرياً، فإن هذا معناه أن النظام السوري باستمراره في ممارساته القمعية وجرائمه في قتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، يدفع في هذا الاتجاه وبقوة وإن زعم خلاف ذلك، وعندها يطمئن أنه قد قلب البلد عاليها سافلها، وأنه لم يترك السلطة إلا بعد تخريب وتدمير وطن، طالب شعبه بالخلاص منه وإسقاط نظامه.